عائد من الخارج

طويل القامة، يلبس سروالا وجاكتة سوداوين، يمشي متمايلا، عليه علامات السكر، تقدم ببطء نحو السيارة التي وقفت في موقف السيارات مند وقت وجيز، وقبل أن يترجل صاحبها منها سمع صوت خافت وحزين ساعدوني يا إخواني فلم يدخل بطني اليوم لقمة واحدة من الطعام ،فالجوع قد اخذ مني مأخذه، ساعدوني جزآكم الله خيرا يا إخواني ،أريد قليلا من النقود أو خبزا أو أي شيء أسد به رمق الجوع .

التفت صاحب السيارة وقال أقبل ؟

فلما أقبل ورآه قال :أردت مساعدتك لكنك سكران ولا تقوى حتى على الوقوف ،ليس لك المال إلا لشراء الخبز ، فمن أين إذن أتيت بمال الخمر؟فبماذا تفسر هذا؟

-حسنا سأحكي لك قصتي واحكم علي أخي حكما عادلا ،و بعدما تنهد تنهيدة عميقة قال لقد كنت أنا كذلك مهاجرا إلى الخارج مع كل عائلتي بعدما أتيحت لنا فرصة ذهبية لمغادرة البلاد من أجل العمل لكن تهوري وصغر عقلي وزلاتي المتكررة رغم نصح والدتي لي لأطرد من هناك خاوي الوفاض بل من المغضوب عليهم وإلى الأبد و بقيت العائلة كلها هناك في الترف والعيش الرغيد بينما صرت هنا بين سندان الوحدة والفقر وضعف الحيلة وجهل في الدين فلم احتمل كل ما وقع لي وتعاطيت إلى كل مخدر وتبعت شياطين الإنس في إغوائهم وأفعالهم الشريرة وها أنا تائه كالأبله، فلولا رحمة ربي بي الذي جعل قلب الأم الحنون تغدق علي من هناك ببعض النقود لمت جوعا وتفرطا ورغم أن بعضها أشربه خمرا مع أصدقاء السوء الذين يتجمعوا من كل صوب عند وصول كل حوالة من عند الوالدة جازاه الله خيرا ويتفرقوا عند انتهاءها ،فأتسكع في الطرقات باحثا عن لقمة العيش من عند الأحباب مثلك أو من البقايا التي ترمى في الزبالة.

-حكمي عليك هو أنك تسببت في ضياع حياتك ومازلت في نفس الطريق فلم تحاول حتى تغييرها بعض الشيء واتأقلم مع الظروف الجددة التي تتطلب منك جهدا كبيرا وعقلا راجحا فرغم وحدتك وقلة حيلتك، وجب عليك النهوض من الكبوة والسير إلى الإمام وعدم النظر للوراء الذي قد مات .

واعبد ربك كثيرا واصبر وتوكل عليه فلن يصيبك إلا ما قدر لك وإنشاء الله ستجد عملا وأنت ذو خبرة عالية وحائز على كل رخص السياقة ،متعلم ومازلت شابا والمستقبل مازال أمامك، فعودتك ليست بنهاية العالم، ففي بلدك قد تجد ما هو أحسن إذا ما استعملت عقلك جيدا ووضفت خبرتك فيما هو مفيد.

سكت برهة .

وسالت عيونه بالدمع حتى تبللت كل خدوده وقال بعدما مسحها بكمه الأيسر وستنثر أنفه بيده ليسرى:

-نعم كلامك صحيح ،لكن ادع الله أن يلهمني الصبر ويبعد عني كل البلايا وكل المحرمات جزآك الله عني خيرا، فمنذ مدة لم يكلمني أحد بهذه الصراحة والجرأة من بعد أمي الحبيبة،الكل يشتمني إما بكريه الرائحة أو بالمدنس بالقاذورات أو الأبله أو ينظر إلي نظرة ازدراء وتكبر من مظهري المتسخ.

- أراك طيبا فلا ساعدتني فقد طرقت كل الأبواب وبلا جدوى ، فإذا كنت تعرف أحدا من معارفك يشغلني عنده فسأكون شاكرا لك جميلك هذا طول العمر .

-صمت قليلا وقال :أنا صعب النفس والمزاج فلا أرضى بالذل والهوان،انظر فصاحب تلك السيارة السوداء قد تركني هنا أنتظره طويلا بعدما وعدني بأن يتصدق علي ببعض النقود لكنه عندما عاد أنكر حتى وجودي وذهب وقالت لي رأسي المخمورة أن أذهب إليه واشتمه كثيرا وأضربه ضربا مبرحا لكني صادفتك في طريقي فأعدت لي بصيص من الأمل.

-خذ هذه النقود واشتري خبزا وشرابا ولا تعد إلى السكر فلن يساعدك أحد مادمت على سكرك.

-مع السلامة

-مع السلامة

بقلمي