إنتقــام القـــدر ...
" ... لن أتناول شيئا من طعـــام الحيوانات هـــذا, ماذا تحسبينني؟ أحــد
كلاب الحــديقة " أستغفـــر الله , أستغفــر الله , لا لا لكـــن لا يجـــوز أن
نرمــي الأكـــل علئ الطاولة هكــذا يا بنيتي , هـــذه من نعـــم الله علينا
كما أن الطبيب هـــو من أوصئ بتقـــديم هــذا الغـــذاء المفيد لك , و لم نقـــم
بذلك إلا نزولا عنــــد رغبـــة والديك الحريصين علئ صحتك ,,, يـــــــا كـريم يا
الله , تنحني العمــــة فاطمـــة الخادمــة الوفية للإلتقاط رغيق
الخبــز من الأرض التي كنستها تحت أقــدام سيدتها اليافعــة في وقت ليس
بطـــويل , وضعتــه برفق كمــا تضع الأم رضيعها في مهــده الهادئ ,
و مسحت بحنـــان علئ رأسها الغافلة كمــا تفعـــل مــرارا مــع أبنائها الجياع
و قالت :" هيا تناولي فطــوركي يا " ريمــا " يا بنيتي فالسائق
ينتضـــرك بالخــارج , "تـــرد المتمــردة الطباع :" لا تنادينــي ببنيتــي
, أنا لست طفلة صغيرة حتــئ تعاملينــي معاملــة الأطفال هــذه , ثــم "
مــامي مش من مستواك حتــئ تحلمــي بالتشـبه بها ,, " , لطالما كتمت
المسكينــة نيـــران البراكيــن طـوال كــل هــذه السنين فكيــف تعجـــز عــن
إخمــاد فتيل مــراهقــة بعــمــر الفراشات, تأوهت و أردفت بطيبة العضمـــاء
: " لكــن يابنيتــي من فضلك لم أكـــن أقصدذلك أيدا فأنا ... , " أسكتــي
, جهلـــة ,," , تنفعــل " ريمــا " و تدفــع سلة الرغيف علئ الأرض فتقــع ,
و تقــع المسكينــة جاثمـــة علئ ركبتيها تجمــع و تقبــل الرغيف الغالي
و يعــاونها في ذلك باقي الخــدم البؤساء تصـــرخ " ريمــا " في
وجــوههم , كــفئ ,, و تمتـــد يدها الطويلة إلئ وجـــه إبتســــم لها كــل
صباح , بصفعــــة و كفـــئ ,, و يعــــم صمت رهيب و قـــد إنقطعت الأنفاس ,
كــان أغلب الضن أن الجميــع قــد شـل من هـــول مارأوه أمأمهـم من ضلم ما
بعــده ضلم , لكـــنهـــم سمعـــو و لم يـــرو , سمــعــو صوتا لــم يرتفـــع يوما
كيومهـــم الأســـود ذاك , " ما دهاكي من فتاة لا يزيدنـــي قربها إلا بعــدا و
هجـــرانا ..؟ " , تندفــع ريمـــا نحــــو سيـــد البيت معانقتا و قــــد أذرفت
دمـــوع التماسيح , " بابـــي ,, لمـــا لا تطـــرد عنا كــل هــذه الوحوش ..؟ "
ـــــــــــــــ للصمت أحيانا عقـــاب الســـم في مجـــرئ الدم , و إلتفــت مديــر
الشركـــة " أحمـــد" إلئ الجمـــع الشاحب الأصـــم , و قــد إنسلت دمعـــة
نـــدم ساخنـــة بين كتفيها العاريين , دمعـــة كان قــد إحتفـــظ بها في
حضـــن جفنيـــــه , في كـــل إنحنـــاءة أمامــه لأي من أولئك الأسياد
البؤســـاء , كـــان يتأمـــل في تقاسيم وجــوههــم النيــــرة رغـــم التعــب ,
سلوكهـــم الطيب رغــم قســـوة الحياة الواضحــة في تشققات أيديهم
المتفانية , و التي يخفيها المساكين غالبا خلف ظهــورهم المقسومــة أصلا
بجـــرم دهـــر لا يرحــم , لم يكــــن قــد أنهـــئ زيارته بعــد إلئ بقاع
وجـــوههم المقدســـة إلا أنـــه حـــرم أجـــر الزيارة , فقــد بدؤو االواحــد تلو
الأخــر بطأطأة رؤوسهــم فهـــم لم يعتادو التدقيق في تفاصيل الوجـــوه في
هــذا البيت أبــدا , يتنهـــد : " ريمـــا ... ريمـــا , أمـــرك الأن بالركــوع أمام
ناضري كـــل واحــد منهـــم و تقبيل كـــل يد خدمتك يومـــا ,, " ردت
والدهشـــة تطـــارد الكبـــر في عينيهاالمبتلتين : " لكــن لا يمكــن يا أبي ,
هــذو نـأجـــرهــم و نوكلهم و ننقذهـــم من المــوت و نزيد نركــع لهــم
,, مستحيل , أنا صحابي و شلتي ماذا سيقولون عني.. " لقد ملأ كفــه
وجهها المزركش كمــا ملأت هــذه الكلمات النقاط قبل أن تتـــم كلامها الجارح
, صارخا : " تبا لشلتك النبــلاء ... " , يجهش الريم الجميل بالبكــاء كمــا لم
تبكـــي يوما في حياتها , لقــد كان بكاءا تلطخت فيه أيادي الخـــدم المرتجفة
بدمـــوعها الحـــارة الهادرة و هي مــرغمـــة علئ تمريغ أنفها في أوحال
ريقها الذي بدئ نازفا ,,,و هـــو يجرجرها بين الأكفف المختبئة و الهاربة ,, لم
يعـــد أحـــد قادرا غلئ تحمـــل ما يرئ ليندفــع الجمــع نحـــو الوالد "السيـــد"
الذي لم ينفجـــر يوما كيومها , و بدء هـــو الأخـــر بعـــد أن أفلتوها من بين
يديه بضمهم إليه جميعا في مشهــد أقــل ما يقال عنــه أنـــه غـــرق في
خليط الدمـــوع الشرقية و الغربيــة ,القطـــرات الصغيرة و البحـــار الواسعـــة.
قال رســول الله " ص " : " اللهــم أحييني فقيــــرا و أمتنــي فقيـــرا و أحشرني في زمـــرة الفقــراء "
صدق رسول الله .