على قدر ما رفعت مباريات العرس الكروي حماسة الرجال لمتابعة المقابلات
الرياضية، زادت من ولع النساء في الاستمتاع ببقية المقابلات في المجموعات
الأخرى زيادة على مقابلات المجموعة الثالثة التي يذيّلها الفريق الوطني،
فصارت بنات حوّاء يضبطن نشاطاتهن اليومية على مواعيد المقابلات، غير
أن هذا الشغف لا يدفع ثمنه إلا أبناء آدم ممن ندموا
على تعلق النساء بكرة القدم، وصرن يوسّعن معارفهن فيها
على حساب استمتاع الرجال بمشاهدتها.
خلقت
انتصارات الفريق الوطني شغفا كبيرا للنساء بالكرة، وبالتحديد منذ أن لاح
أمل بلوغه الموعد العالمي في السابع من جوان، لما فاز المنتخب الوطني
بثلاثية مقابل هدف واحد في شباك الحراس ڤاواوي بملعب مصطفى تشاكر بالبليدة
أمام نظيره المصري، وهنا ظهرت فئة أسماها المختصون بـ "رياضيو السابع
جوان"، والنساء أعلى نسبة فيها.
وزادت
هذه المحبة مع تواصل النجاحات التي حققها رفاق زياني على أصحاب الأرض
زامبيا، والفوز عليهم أيضا في الجزائر، وطبعا جاء اعتداء الثاني عشر من
نوفمبر ليفجّر العاطفة النسوية إزاء صايفي، لموشية وحليش، إذ صارت هذه
الأسماء رمز المحبة ونموذجا للبطل الذي لم يهزم حتى وهو يقطر دما من فرط
"الطوب المصري"، ليقتصّ عنتر يحيى جزءا من قلب كل فتاة جزائرية بقذيفته
التي أبادت "80 مليون حلم وإحساس مصري" في شباك عصام الحضري.
واليوم
والجزائر تمثل كل العرب والمسلمين في بلاد مانديلا، هي تمثل المطية التي
تتعلم بها الجزائريات أبجديات أشهر لعبة شعبية في العالم، ويفكّكن من
خلالها شفراتها من كيفية احتساب نقاط الفوز، مراقبة اللعب، التعرف على
المخالفات، حساب ضربات الجزاء، بل وتحوّلت ثلّة منهن إلى مقيّمات للعب
ومحلّلات للمباريات بجنوب افريقيا، ينافسن فيها أشهر المحللين على القنوات
الرياضية، وامتد الشغف بهن إلى متابعة الحصص المتخصصة في التحليل الرياضي،
واقتناء الصحف الرياضية لمعرفة المزيد من الخلفيات الفنية.
ويبدي
الكثير من الرجال اشمئزازهم من هذه الظاهرة، خاصة لما تتعالى صيحات
الفتيات في اللقطات الخطيرة للتهديف، واختار البعض إما أن يحجم عن
الانفعال مع المباراة -وهو الأمر الأكثر من مستحيل- أو أن يختار مشاهدتها
مع مجتمع ذكوري مئة بالمئة، كالمقاهي أو منازل الأصدقاء.
والغريب
أن البعض منهن يبرمج كل يومياته على وقع المباريات، كلها دون استثناء، حتى
وإن لم تكن لحساب مجموعة الخضر، وذلك بغرض فهم قواعد اللعبة التي لم يكن
يفقهنها من قبل، وتحوّلت المباريات إلى هاجس بالنسبة للكثيرات، ممن يستفقن
باكرا لتحضير وجبة الغداء وترتيب المطبخ بعدها، ليسترحن خلف صيحات التشجيع
ويتابعن عبر الشاشة انهزام الكبار على أرجل الصغار في مونديال المفاجآت،
ويباهين ذكور المنزل بالحديث معهم حول ما استفدن منه من مهارات لم يعرفنها
من قبل، ثم تصديعهم بطلب معرفة المزيد عن مباريات كانت تقوم الحرب من أجل
تفويت مشاهدتها عليهم لصالح المسلسلات.
ولم
تعد البعض ممن التقينا بهن يفرق بين الحديث عن حاله والحديث عن كرة القدم،
بعد أن أدركه مسّ من هوس اللعبة، فلما هممنا بسؤال فتاة عن صحتها بعد مرض
نال منها، فاجأتنا "أرأيت كيف ضيّعنا فوزا أمام سلوفينيا!"، وكانت هذه
بمثابة الشاهد على قوة تمكن المس الكروي من عقل الجزائريات، وعلّق عليه
أحد الذكور "كنّا بخير ونحن نتابع الماتشات بعيدا عن تفقّه النساء فيها"،
وذلك بعد أن تجرأت إحداهن على تحليل مباراة الجزائر مع انجلترا أمام الملأ
في الحافلة.