انحدرت
دموعها حارة وهي تتأمل صورته عندما كان طفلا صغيرا ,صورة لازالت تتذكر
مناسبتها.كان الوقت صيفا والجو ملتهب وحرارة الشمس لا تطاق ,فكان غالبا ما
يفلت منهن ويتجه نحو الشاطئ مع رفاقه
كان آخر العنقود وكان خوفهن عليه زائدا , بل لم
تكن والدته تخاف عليه بقدرما كانت أخته الكبرى تفعل . سلمته لها بعد
ولادته مباشرة ,فكان لعبتها الحية التي تهتم بها وتفرغ فيها شحنات
الإهتمام بمن حولها.
وكعادته حطم الطفل الصغير المدلل قوانين النساء
واتجه نحو الشاطئ خلسة .بحثن عنه في الحديقة المجاورة للمنزل حيث كان يلعب
مع رفاقه عادة، ولكن لا أثر له ..
فعلمن أين ذهب ..توعدن بعقابه أشد العقاب وهن ينتظرن عودته.
وفجأة انتشر خبر في الحي أن طفلا قد غرق في البحر
اليوم ظهرا ، انهارت الأم ..بينما لم يسمع لها صوت سارعت بالخروج دون أن
تنطق بكلمة فقط شحوب علا ذلك الوجه النحيف فزاده اصفرارا.
قبل أن تخطو الخطوة الموالية خارج البيت رأته قادما
احتضنته بعد أن قرصت أذنه بشدة ... سحب من جيبه صورة إلتقطها له جارهم أبو
محمد ..تلك الصورة التي تتأملها سميرة وتتخيل ذلك الطفل الصغير وهو الآن
رجلا ،
علت وجهها ابتسامة دخيلة وهي تتذكر كيف كانت تعاني
لتغير حفاظاته و كيف كان يتشنج أثناء تحميمه فتصرخ فيه: يا وسخ أنت لا
تحب النظافة''
تلت تلك الإبتسامة دمعة وهي تتذكر كيف وقع من سطح
غرفة فوق سطح المنزل وهو يهتم بحمامه فقد كان مولعا بالحمام ولكنهم كانوا
يوسخون سطح الغرفة وكانت والدته تتوعده إذا اتسخ
فقد وضعت هناك مزربا للمياه يجمع الماء عندما تمطر
ليتسرب بعد ذلك في برميل كبير وكانت تستغلها لغسل الملابس, فهي تقول أن
ماء المطر فيه بركة وينظف جيدا ,
وبينما كان ينظف السطح لم ينتبه فوقع للاسفل فوق
رأسه، كان في الرابعة عشر ,شفي بعد ذلك ولكنه لا يزال يفاجأ أحيانا بصداع
حاد في رأسه ويعاوده الألم كلما أرهق نفسه.
وهاهو ذلك الطفل قد كبر وتحدد موعد زواجه أخبرته
أنها ستحضر وعليه أن يعد كل شيئ، وهي تعرف أنها لن تستطيع الحضور. أوهمته
بذلك لكي يوافق على العرس فقد أقسم لها بأنه لن يقيم عرسا إلا بحضورها .
لم تكن تريد أن يتأجل عاما آخرا ولم تكن تريده أن
يقع في مشاكل مع أهل خطيبته فقد طالت مدة الخطبة وانتظار عام آخر سيجعلهم
يتذمرون وقد يخلقون له المشاكل .
أوهمته أنها ستحضر قبل أسبوع من بدأ الحفل لتستمر الإستعدادات... لابد أنه الآن قد حضر كل شيئ؟ قالت وهي تحدث نفسها الوحيدة..
أصابتها هيستيريا بكاء حاد وهي تتذكر كيف كانت تحدثه
عن ذلك اليوم وكيف كانت ستجعله مميزا, فقد وعدته بتحنية خنصره بيدها ليلة
الحناء,وأنها سترقص رقصتها الأولى في حياتها ليلة زفافه;
ولكن القدر تدخل ليحول دون تنفيذ تلك الوعود
..!ويتحطم قلبها مرتين ,مرة يوم تخرجه ومرة يوم زواجه , وكأن القدر
يعاندها ويستأصل منابع الفرح فيها من جذورها...