هل أحكي لك قصة من البؤس تدمى منها العيون , لا أعتقد أن قصتي ستأثر على هذا النحو في الناس, الأقرب أنهم
سيشمئزن منها, فما أكثر المرات حين ذكرتها أحسست فيها بحرج شديد حتى من نفسي,
فلم يسمع بقصتي الى حد الأن غيري.
دائما ما تحيرني البدايات, بأي حرف أبدأ وبأي كلمة وبأي حدث أبدأ, فإني لا أعرف الا الحزن فهو في حكايتي
كحبة أسبرين, ذاب فيها وتغلغل وخالط كل أطوارها حتى سعادتي فيها نكهة من حزن.
دعني أبدأ اه وكأنك تشدني ,إذن سأبدأ بذلك الطفل الذي يداعب ألعابه البلاستيكية وكأن أرواحا تسكنها ويخاطبها وكأن آذانا
تُسمعها, تحيطه جدران ذلك البيت الأبكم الخاوي من ضحكات الناس وقهقهاتهم أو صياحهم وصراخهم ,فما في البيت
سوى طفل وحيد.
طفل جنيّ الوحدة هومن خدعه هومن سكنه هومن أوهمه حين صرعه بأن كل الأشياء تحتاج الى صاحب ,الى رفيق يؤنس
وحشتها , فكان يقرن بين ألعابه حين يخبؤها, يجمع أدواته كلها في مكان واحد لكي تقضي ليلتها معا تتسامر وتتضاحك
قبل أن تنام.
كانت عيناه كثيرا ما تهمل بالدمع حين يرى قضيبا ملقى في الأرض لا يحيطه شيئ , فيلتقطه ويبحث له عن صاحب أو يلقيه مع
جماعة من القضبان تلمّ جراحه وتبهج حياته.
ورغم عاصفة الأحاسيس هذه, لم يجد بين أصناف الناس من يشاكهه , كأنما إختفى من الوجود صاحبه.
كان جني الوحدة يبعد عن طريقه كل شخص يعلق في شبكة قلبه على قلة ما يعلق,
كان صيادا غير محظوظ في بحر الحب قاربه تائه , ما رأى من الموج الا عاتيه......