الأخضر الذي وصل...

الأخضر الذي وصل







وصلت الشاحنة التي تحمله في صباح الأحد من شهر ماي،وكنا نستلقي بكسل على كراسي المقهى متأملين الصمت في صمت نشعل السجائرويمد بها بعضنا بعضا في أخوة مملة.رأيناه بزيه الأخضر
فوقف الجميع ينظرون إليه على ظهرالشاحنة يقف بشموخ بين رجلين من أشداء القرية.كانت اليد اليمنى لكل منهما تثبته بقوة والأخرى تتمسك بمقصورة السائق وهما يميلان بجسديهما إلى الخلف وعيونهما الأربع توزع على جنبات الطريق نظرات الفخروالاعتزاز.
-هل أحضروه؟
-نعم.وماذا كنت تحسب أنهم فاعلون؟
-لقد صبرنا ونلنا.جاء التغيير.جاء التطهير والتعمير.
ثم تحركت الخطى ملتحقة بالشاحنة والضيف العزيز فتبعت الموكب إلى حيث التقى شارع
النهضة بشارع الفجيعة الذي يقطعه.هناك حيث يقطن حاكم القرية الذي خرج كعادته تسبقه بطنه
الكبيرة غير أنها كانت في صباح ذلك اليوم رشيقة سعيدة قفزت بنشاط على ظهر الشاحنة مع صاحبها
فرفع يديه:
-يا أهل القرية هذا يومكم الذي كنتم إياه تنتظرون.اركبوا معي بسم الله مجراها ولا يمشين منكم
أحدا.
كانت خديجة الصماء أول الراكبين لأنها تحب اللون الأخضروكان نفس لون الجلباب الذي ارتداه الحاكم قبل خروجه. ساعدها كبير القرية مثلما يساعد الجائع تفاحة في الوصول إلى فمه
بالغ في مساعدتها حتى كاد يلصقها به لولا أن غارت بطنه فدفعتها.مد يده من جديد لمنحوس مجنون
القرية:
-هيا يا مسعود.هذا يوم سعدك.من هذه الساعة سنناديك باسم مسعود لتبقى ذكرى عيدنا نراها كلما مررت من أمامنا أنت الذي تكثر المشي بلا هدف في طرقات القرية.
وكأن منحوسا علم بالعيد فارتدى أجمل ما يملك وتكلف من تكلف بحلق وجهه وشعره ونظفــــــــوه.
بإشارة سريعة من رأس الحاكم دقت الجوقة الطبول ترافقها المزامير..وأبت النسوة إلا أن يجدن بزغاريد من عمق الوحشة والقمع فجاءت أصواتهن شبيهة بالعويل وقف لها شعر كل رجل يكره الزغاريد.
بعد أن بلغنا قلب القرية أنزل الناس الضيف الأخضر، فكانت الأكف تتسابق لتلمسه ولو للحظة
اختلف حاكم القرية مع نائبه في ديمقراطية ما سمعنا بها قبل يومنا ذاك.
-بل سنضعه حيث قلت.أأنت أدرى مني بصالح القرية.ثم أجبني...من هذا الزائر الفضولي للقرية الذي سيلتفت إلى زقاق ضيق ليرى الأخضر؟
هكذا رد الحاكم على اقتراح نائبه وهو يكظم حنقه.
-الرأي رأيك يا سيدي إنما خشيت أن يقول الغرباء أننا نستقبلهم بالأزبال عند مدخل القرية.والرأي رأيك ولك منا الطاعة والتأييد.
لأذبحن..قال الحاكم وقد هدأ روعه وسعل مرتين أو ثلاث ليصمت الجميع.لأذبحن أكبر خروف
عنلدي.فانطلق أيها النائب إلى خالتك أم البنين أخبرها أني آمرها أن تثرد وتكثر المرق
وأنها طالق إن لم يشبع الحاضرون.
قفزت بطنه وتبعها فانطلقت الأبواق للمرة الثانية تذيب ملامح الخلاف قوية مسموعة وأكثر نشاطا
وهمة بعد وعد الذبح والثريد.
وفـــــــــــي صباح اليوم التالي عاد كل المحتفلين فرادى وجماعات ووقفوا زمنا غير قصير
على وعاء القمامة الأخضر الذي انتظره كل غيور على مستقبل ونظافة قريتنا.

مشكووووووووور