لا أمان في الغابة..

لا أمان في الغابة





-حظك من ذهب سيدي.المدينة في الليل هذه الأيام غابة موحشة.
-حقا؟الوجوه التي رأيتها في المحطة بدت عادية متحضرة.
-متحضرة؟هاهاها لا أمان في الغابة.لا أمان في الغابة صدقني سيدي
التصق المسافر بمقعده خوفا وغاص في الصمت ينظر عبر المرآة أمامه إلى عيون السائق تلمع في الظلام. خارج السيارة كانت البيوت تمضي مسرعة متفرقة إلى الخلف تتخللها مساحات كبيرة من الفراغ الأسود،
-أبيض غار النهار منو...تفاءل المسافر بصوت المذياع وانتشلته الاغنية من براثن الهلع فظهرت أعمدة النور مؤذنة بالألفة والمدنية مصدقة للأمل والأمان واندحر الفراغ أمام منعطف مضيء تجاوزته السيارة ثم توقفت عند مدخل سرداب أشار إليه السائق بسبابته:
- الطريق فيه أقصر. ثلاث دقائق وتبلغ حي الزهور.ادخل ولا تخش شيئا كنت أمزح.
-لكن..هل...؟
-يهتف أين التــي وهبتها مهجتــــــــــي..بترت الموسيقى سؤاله وعلا صوت المحرك
والسيارة تنعطف لتعود أدراجها آخذة معها ما كانت تنشره من ضجيج وحركة وأضواء.لم يبق غيرسرداب
موحش،أحيانا يجد المرء نفسه أمام طريق واحد وعليه أن يمشي فيه مع أنه لا يعرفه، حل وحيد اقترحه شخص لا يعرفه أيضا. لم يره من قبل. ودخل المسافر السرداب يرافقه صوت حذائه يتقدم مستقلا عنه بكيانه الخاص يسابق امتداد البصر في الوصول إلى المصابيح الضعيفة التي تقسم السرداب إلى أربع محطات.استبد به الخوف أكثر فتنبهت حواسه إلى أن أصل عدد المصابيح كان خمسة تلف أحدها مما يعني أن المسافة بين مصباحين منها ستكون رحلة أطول وأشد ظلمة.كانت رائحة السرداب كريهة جعلت المسافر يتصورها جشاء صادرا عن حية كبيرة يسير هو في جوفها وتسير بجانبه أشباح جردان ضخمة حذرة.
كاد يسقط عند ما لامست قدمه كيسا قدّر أنه كيس رمل فكذبه الكيس وتحرك ثم استوى أمام ناظريه
بشرا يحمل مدية و يتكلم:
-لا أمان في الغابة.
علا صوت ارتطام الأحذية بأرض السرداب تتخلله أصوات الشهيق والزفير قوية حقيقية شأنها شأن المطاردة التي بدأت.بطلها مسافر تأكل رتابة المكاتب حياته..حياة لا حياة فيها.هو الآن يجري يسابق
صوت حذائه إلى خارج السرداب.لا يسقط ولا يتعثر ويخيل إليه معجبا بسرعته أنه ربما طار لولا سقف
السرداب المنخفض.
لم يحلق خارج السرداب كما توقع لكنه توقف للحظات واختار الجري إلى اليمين حيث نور محل تجاري
يلوح خلف ضباب ملون.التفت لاول مرة إلى الخلف وهو يدنو من المحل فرآى صاحب المدية واقفا يتوعده
من بعيد بإشارات من يده.دخل المحل وخرج بعد مدة قصيرة يرافقه شيخ ينظران معا إلى قاطع الطريق الذي لم يبرح مكانه غير مقتنع بنجاة المسافر.
لم يوفر البائع جهدا في تهدئة وطمأنته ودعاه للمبيت عنده في بيته.دخلا بابا صغيرا في آخر المحل إلى
غرفة صغيرة مكث فيها المسافر وحده بينما عاد الشيخ إلى دكانه ليقفل أبوابه.مرآة كبيرة
تتوسط جدار الغرفة.رآه يعود إليه مع شخصين آخرين.
-هل هو في الداخل يا أبي؟
-أجل يا بني لا أمان في الغابة.
تحامل المسافر على ركبتيه ليقف لكنه خرعلى المقعد بعد أن أحاط به الثلاثة:سائق سيارة الأجرة وصاحب المدية ووالدهما وهم يضحكون .أغمض عينيه مستسلما لبرودة الشفرة على عنقه..ثم انتفض فجأة وفتح عينيه.
كان سعيد الحلاق يقف على رأسه وموسى الحلاقة في يده.
-يهتف أين التي وهبتها مهجتي...يا ورد..
أسند الزبون ظهره من جديد إلى المقعد يضحك بفرح لم يفهم سره الحلاق.