قبل حوالي 3 سنوات , في احدى ليالي الصيف الحارة والليل أسدل ستاره وسكون بهيم يلف الأزقة المظلمة الموحشة (الفريد هيتشكوك)
تشاجرت مع العائلة فخرجت لتلطيف الجو وذهبت لأحد مقاهي الأنترنت
الساعة كانت تشير الى منتصف الليل وكنت سأقوم بساعة واحدة ثم أعود للمنزل
لكن لسبب ما بقيت في المقهى حتى الثالثة
في تمام الثالثة ودقيقة وأنا أحاسب المسؤول عن المقهى
أطل شخص برأسه من الباب
ثم بدأ في التكلم مع أشخاص في الخارج
قبل أن يدخل علينا شخصان بالسواطير
بينما بقي ثالث خارجا يراقب الأمور
وكنا نحن 6 أشخاص داخل المقهى
بدأ أحدهما يتكلم بأدب شديد :
(سامحوني يا اخوان , نحن أتينا الآن لسلبكم , أكرر اعتذاري لكن انا مضطر بسبب الفقر أن أفعل ذلك)
ثم بدأ في المرور علينا واحدا واحد يأخذ ما في جيوبنا
ثم وصل عندي وقال لي مخاطبا :
------------------------------
-(أخي أرجوك , اعطني ما في جيوبك)
-(لقد حاسبت صاحب المقهى للتو ولا أملك في جيبي الا 3 دراهم)
-(دعها لك أخي , انا لص لكن اعرف معنى الرجولة , اشتر بها شيئا لتتناوله في الفطور)
بدأ بعدها اللص الثاني في اعادة المرور علينا واحدا تلو الآخر
لكنه كان على النقيض تماما من زميله
منتهى القسوة والفظاظة
ولم يتردد في لكم أحد من كانوا معنا
وصل أخيرا عندي وقال لي مخاطبا :
------------------------
-(المال ايها الحيوان اسرع !)
-(لا أملك الا 3 دراهم لكن زميلك رفض أخذها )
-(هاتها يا ابن ... 3 دراهم سأشتري بها 6 سجائر)
-(لكن...)
طاااااااااخ ...لقد هوى على كتفي بالجانب غير الحاد من الساطور
لحد الآن لحظات نزول الساطور تمر أمام عيني كشريط بطيء , أذكر جيدا الرعب الذي أصابني وانا أرى الموت امامي...
-(اعذرونا يا اخوان , لكن ما باليد حيلة) اللص الطيب
-(اتذكر وجوهكم جيدا يا ابناء...انتم محظوظون اني لحد الآن لم ادخن الحشيش والا كنت ذبحتكم هنا) اللص الشرير
...
بعد خروجهم كنا في حالة صدمة كبيرة , اذكر أننا بحلقنا في بعضنا بدون أن ننبس ببنت شفه لمدة تزيد عن الربع ساعة
أخيرا نطق أحدنا وقال :
--------------------------
-(يجب ابلاغ الشرطة)
-(نعم صحيح هيا بنا الى أقرب مركز) تمتم الجميع
كنا نستعد للخروج عندما دخل عندنا حارس لموقف سيارات بجانب المقهى , لقد سلبوه هو أيضا
اصبحنا سبعة
وعند وصولنا للمخفر كنا عشرة
الأوغاد كاعصار دمروا كل ما كان في طريقهم وسلبوا كل من صادفوه
المخفر كان في حالة تجديد لذا كان كحفرة قذرة
ولم يكن هناك سوى ثلاث ظباط
بعد أن استمع أحدهم لشكوانا سيقوم بتبليغ وحدات جوالة بهاتفه اللاسلكي
بعدها بربع ساعة تماما
دخل 4 من رجال الشرطة بلباس مدني يجرون أحدا
انه....
--------------------------
للأسف اللص الطيب
-(هل ابن ... هذا هو من سلبكم)
-(نعم انه أحدهم)
لنشاهد حلقة من حلقات ابو غريب أمام أعيننا
أدخلوه لغرفة حائطها متهدم لذا كنا نستطيع رؤية ما يجري
تعذيب فظيع بكل ما تحمل الكلمة من معنى
-(انطق ايها الجبان من هم شركاؤك)
-(لقد كنت وحدي)
طاخ طيخ طوخ
-(تكلم يا حيوان)
-(آه آآآه , أبدا أبدا)
-(اذا لم تترك لدينا خيار , سنغتصبك بالقارورة اذا لم تتكلم)
-(حسنا حسنا لكن دعوني أولا التقط أنفاسي)
لتبدأ هاته الدورة تعيد نفسها تكرارا ومرارا : اللص يرفض الكلام , الضرب بكل أنواع الأسلحة والعصي , اللص يصمد, التهديد بالاغتصاب , يوافق على الكلام , يرفض مجددا وهكذا دواليك
وأخيرا...
-------------------------------
تفوقت ارادة اللص على ارادة الشرطة وتوقفوا عن تعذيبه وأدخلوه الى غرفة مجاورة
في هاته اللحظة كان احد الظباط يدون شهاداتنا يدويا لأن الآلة الكاتبة كانت معطلة
كان بطيئا للغاية وكان يدون كل شهادة على حدة
ونحن جالسون ننتظر أدوارنا
رأينا ما يشيب رؤوس الولدان ويجعل كل ذات حمل تضع حملها :
عائلتان اشتبكتا لسبب تافه بالأسلحة البيضاء والدم يغطي كل أرضية المخفر المغبرة
زعيم عصابة تم اعتقاله و5 شرطيين يدخلونه المخفر بالقوة والعنف وهو بكل جرأة يبادلهم الضرب حتى كاد يصرعهم خمستهم
هذا الزعيم المكنى بالجن , سيستطيع بعدها الفرار من المخفر بمساعدة شرطي هدده بذبح عائلته , وهددنا نحن ايضا اذا تكلمنا
لص متقاعد , المسكين كان تلك الليلة في طريقه لطنجة ليهاجر سريا بعد أن جمع الأموال اللازمة لكن تم اعتقاله بسبب بلاغنا , رغم اننا نفينا عنه التهمة الا أنه ظل رهن الاعتقال , ومن شباك زنزانته الضيق ونحن ملتفون حوله بدأ يحكي لنا قصة حياته المؤلمة
نادل مقهى أمسك سكرانا ولأنه يثرثر , يثرثر فقط , تعرض لضرب وحشي من ظابطين أزعجتهما ثرثرته التي منعتهما من التلذذ بفطورهما...أحد أصدقائي اشفق عليه واقترب منه ليعطيه سيجارة فكاد أن ينال نفس المصير وتلفق له تهمة سرقة !!!
و فجأة...
-------------------------------
دخل من أمسكوا اللص الأول وهم يمسكون شخصا آخر
-(هل هذا اللعين سلبكم أيضا)
-(لا ليس هو , الآخر كان طوي..)
-(نحن متأكدين أنه هو , اكيد النعاس اثر عليكم)
-(يا سيدي قلنا لك انه ليس...)
-(خلاص خلاص..سنرى هاته المسألة)
أخيرا انتهى الكاتب السلحفاة من أخذ شهاداتنا وطلب منا التوقيع
-(انظروا ماذا مكتوب في الافادة : تم اعتقال اثنين من الثلاثة المتهمين وتعرف الضحايا عليهم) قال احدنا
-(لكن الشخص الآخر ليس من ضمن العصابة) استطرد آخر
بعد أن أبلغنا الشرطي باعتراضاتنا أدخلنا لغرفة منعزلة وقال لنا :
--------------------------------------
-(وقعوا وفقط , انه مجرم حثالة , لو لم يسلبكم فسيسلب آخرين)
-(وماذا لو كان قد تاب ؟ هل يبقى ذنب ادخاله للسجن ظلما في عنقنا)
-(آه منكم يا شباب اليوم... على العموم سوف أرى المسألة...الساعة الآن السابعة صباحا , لا تنسوا الذهاب الى المحكمة في التاسعة , اذهبوا الآن)
انصرف كل واحد منا الى منزله بعد ان تواعدنا بالالتقاء في المحكمة
فور دخولي الحي وجدته مقلوبا على رأسه , خبر السطو انتشر كالنار في الهشيم ونسجت حوله الأساطير خصوصا أننا اختفينا , لذا وجدت عائلتي هائمة على وجهها تبحث عني منتظرة خبرا سيئا , لكن
-(الحمد لله) تنهدت أمي باكية وهي تعانقني وتصفعني في نفس الوقت...
حاولت النوم قليلا لكن لم أستطع ...الساعة الآن التاسعة وانا مع البقية في المحكمة
أغرب ما شاهدته هناك هو...
----------------------------------
سلسلة طويلة من الرجال المكبلين واحدا وراء الآخر , في غاية الأناقة والشياكة (القضاة والمحامون بجانبهم يظهرون كمجرمين لولا الكلبشات)
طفل في الرابعة عشر من العمر , من عائلة محترمة ابوه أستاذ وامه معلمة , متهم بتكوين عصابة اجرامية !!!
-----------------
في مكتب وكيل الملك (النائب العام) , وهوشخص مرح وشعبي الى أبعد الحدود وصاحب نكتة لا يعلى عليه , تم اخذ افاداتنا والاستماع الينا فيما يخص الشخص الثاني وعدم تورطه في عملية السطو , أم ذلك المظلوم كانت تنتظرنا قبل ذلك امام باب المحكمة لتنهال على ارجلنا , فور تعرفها علينا , تقبلها استعطافا لنا... مشهد مؤثر هزني بشدة ولن أنساه ما حييت...
نحن الآن خارج قاعة صغيرة للجلسات , نحن الضحايا نجلس في جانب وفي مواجهتنا مباشرة يجلس اللص الطيب واللص المظلوم , وأعيننا في اشتباك غير مسلح نراقب بعضنا البعض في صمت و بحدة وثبات كأننا في رهان من يغلق عينيه أولا , في مشهد يشبه مشهد مواجهة هارمونيكا وفرانك في فيلم حدث ذات يوم في الغرب (بالمناسبة وجدت عنوان مناسب لهاته القصة : حدث ذات يوم في المغرب ) , وانا هنا لا أبالغ في توصيف المشهد...
------------------------------
دلفنا قاعة الجلسات لنجد ثلاثة أشخاص , هم قاض ومعاونيه
اخذوا افادتنا واستمعوا للمرة الثالثة لتأكيدنا على براءة المتهم الثاني , ليؤجل القاضي الجلسة شهرا لحين تعيين محام للمتهمين
لكن مسلسل الرعب لم ينتهي , مساء ونحن مجتمعين قرب مقهى الانترنت نعيد شريط الرعب الهيتشكوكي الذي مررنا به , سنفاجؤ باللص الشرير يقترب منا حثيث الخطى وهو يخفي ساطوره فيما يبدو أنها محاولة انتقامية , لكن الكثرة تغلب الشجاعة , حملنا أحجارا كانت في الأرض وكل من له عصا أو سكين أتى به وهجمنا هجمة رجل واحد عليه فاضطر للفرار , لتنطلق عملية مطاردة له في الأزقة والحواري شارك فيها كل من يعلم او لا يعلم , كل من يقدر أو لا يقدر وايضا تعزيزات من رجال الشرطة باللباس المدني المعروفين بالحنوشة (الأفاعي) , باختصار كان ناقص فقط تمشيط جوي ...لكنه استطاع الفرار
لنعيش ما تلى من الأيام في دوامة من الرعب والخوف من طعنة سكين غادرة في جنح الظلام...
لم اذهب مرة أخرى للمحكمة بسبب الانشغال بالامتحانات , بعد سنة من الحادثة (وطبعا بعد أن اصبحت آخر رواية رسمية متداولة لعملية السطو هي مقتل 20 شخص في سطو على مقهى انترنت ) , علمت ان اللص الشرير مازال طليقا , واللص الطيب حكم عليه بسنتين , والمظلوم بخمس سنوات !!!
انتهى