بقـــــــــــــــــــــــ خيانة ع الورق ـــــــــــــــــــــــلمي

استلقت على سريرها..أخذت دفتر مذكراتها..توقفت عند بعضها واسترسلت في مسح صفحاتها.

حبيبي.. اليوم يوم ميلادك..افتقدت شمعة حبك.. التي أشعلتها يوم أعلنت على الملإ بأنني حبيبتك التي ستضيء ما بقي من شموع حياتك معها..أدمعت عيناي وأنا أعد العدة لأمنحك قلبي -هدية- مسجى على فراش قلبك ..تطرب نبضاته لألحان نبضاتك....

امتدت يدها إلى خذها تمسح دمعة نزلت تبلل الصفحة حسرة على تلك الأيام التي ذكرتها به..تلك الأيام التي انقضت سريعة مخلفة وراءها ذكريات لم تمت.. برغم زواجها وإنجابها طفل.

تنهدت عميقا وأسندت ظهرها إلى الوسادة.. أخذت يدها تقلب صفحات أخرى من المذكرات حتى توقفت عند إحداها وقرأت:

حبيبي..اليوم أعددت العدة لسفرك..لمستقبلك الذي قدمت حبنا قربانا له.. قلت لي سأعود وسنبني عشنا الأسطوري ...سنة تنقضي وأتوجك ملكة على عرشي .. مرت السنة وما عدت.. وبقيت وحدي أعدها وغيرها من السنين ورقة ورقة ..تسقط على خريف عمري.

كادت تمزق الورقة وهي تدير صفحتها بعصبية ..تلتها أخرى وأخرى ..حتى توقفت عند ليلة أظلمت سماؤها وهي تسمع حديث والدها ..يخبر والدتها أن عريسا سيتقدم إليها ..

حبيبي.. اليوم أعلنوا خطبتي..اليوم أعلنوا حدادي..أسرعوا بي على كفن أبيض ..يزفونني إلى قبري..

تاجر ..هكذا يراه أبي..{أُمّيٌّ} هكذا أراه لا يفهم لغة القلوب ولا يستطيع قراءة السطور وهي تتحسر على لحظة موتي.. سامحني .. قد أجبروني... وأنت ابتعدت كثيرا عني..

سمعت صراخ طفلها ..فانتفضت من مكانها..فتحت باب غرفته.. وجدته ساقطا على الأرض..

_لا تخف..حبيبي.. إنه كابوس فقط..

_لا تتركيني أمي..

_حسنا عمري.. سأظل جانبك..

أسندت رأسها إلى رأسه.. ويدها تمسح على وجهه..أحست به يعود إلى نومه..فتسللت خارجا بعد أن أرخت الغطاء على جسده..

عادت إلى سريها ..وأخذت بين يديها مذكراتها لتكمل مابقي من الصفحات وهي تعلم سر تذكرها لها..

لمحت ذاك التاريخ فتوقفت عنده طويلا تسترجع تلك اللحظة...

حبيبي..اليوم التقيت أختك..كنت أغوص في ملامحها التي تذكرني بك.. سألتها عنك ..فأخبرتني أنك قد تزوجت ..تذكرت حينها يوم سألتك عن مواصفات محبوبتك..

_كيف تريدها؟

_شقراء..

غضبت ..فابتسمت من غضبي وقلت وأنت تلاعب خصلات شعري:

_لن تكون أجمل منك..

هاهي ذي بين يدك شقراء فاتنة ..أحسست بالغيرة إذ تصفها أختك..كانت دمائي تغلي..وابتسامة صفراء تصارع في شفتي ..أمسكت بقبضة يدي لأخفي رعشة تسري في جسدي..لم أفكر في شيء.. غير أن تكون أحببتها أكثر مني..

تركت المذكرات مرمية على صدرها ..وغاصت في فراشها..أخرجت نفسا عميقا...وعيناها الدامعتان تنظران إلى السقف ...تماسكت واعتدلت في جلستها ..امتدت يدها إلى المذكرات من جديد لتأخذ صفحة بيضاء منها.. وبدأت أناملها تخط ..

حبيبي..اليوم كنت في زيارة إلى والدتي ..أخبرتني أنك رزقت طفلة جميلة أسميتها على اسمي...اختنقت ..أخذتني أمي في حضنها وأجهشت في البكاء..

خرجت من بيتنا تجاه الحضانة..حملت طفلي وذهبت به إلى الحديقة ..تركته يركض ويلعب..أراقبه من بعيد ..

ابتعد كثيرا ..فناديته ..أسرعت إليه حضنته عميقا وكلام أمي يتردد على مسامعي...عرفت أنك لازلت تحبني..كما هو حبك حي لا يموت في قلبي...أمسكته من يديه وأنا أتأمل ابتسامته الجميلة تذكرت يوم ميلاده وأنا أصارع حتى يكون اسمه على اسمك ...اقتنع به زوجي بمشقة دون أن يفهم أو يعي ...

سمعت طرقات الباب..فأغلقت المذكرات ووضعتها جانبا ..تاركة القلم وسطها ينزف مداد رسائل حب لم ولن تجف عيونها.

نزع عنه بذلته وبادر بالسلام:

_مساء الخير ..ألم تنامي بعد؟

_أنتظرك..

_هذا جميل.. منذ متى؟

_لا تبدإ الآن..

_بل سأبدأ..لا تنامي ..سآخذ حماما وآتيك حالا....

أشرقت شمسها على نداء طفلها...جهزت مائدة الإفطار..تناولته صحبته..غيرت ملابسها واتجهت به إلى الحضانة..

ما أن سمع زوجها الباب يصفق..حتى انتفض من سريره واتجه صوب النافذة يراقب سيرها وهي تبتعد غائبة عن الأنظار...فجلس على مكتبها وأخذ يقرأ آخر ورقة سقطت من مذكرات خيانتها..



01:36