كان لرجل زوجة اسمها جرادة وله سبعة أبناء صغار وكان يسمى برطال نسبة الى طائر كثير الضجيج ويفسد سنبلات القمح في الصيف وهو ما يسمى بالدارجة الزاوش.
كان برطال فقيرا وعاطلا يذهب كل صباح الى الى موقف العمل لكن دون جدوى للحصول على عمل يكفل به رزق أولاده وكلما رجع الى داره تنهره زوجه جرادة وهي تقول له :جرب أي حرفة ولو ادعاء التعاويذ
وحل المعقود وفك عمل السحر.
حينذاك لاحت من برطال التفاتة وهو يضيق من فتحة عينه وتلفيه يقول :ولم لا؟أليست بحرفة دون كد أو جهد.....
تناول برطال دواة صمغ وقلما قد براه من القصب وتوجه الى قارعة الطريق وهو مجلب ساترا رأسه بقبه
ينتظر حظه.واذا بعجوز قد أتته وهي شاكية من حظ ابنتها العانس التي حرمتها العين وحسد الحساد وكلام العباد من الزواج.
واذا ببرطال ينظر في مرآة وهو يقول لها:ان ابنتك مسحورة من طرف جارة غيورة وحلها يتطلب أجرة يسيرة
وفي هاته الليلة المذكورة يأتيها الخطاب وهي كالأميرة.
طارت العجوز من شدة الفرح وهي تناوله صرة من المال وتطلب منه المحال وجلب الرجال.
تناول برطال الصرة وخط خطوطا على ورق وناولها ذلك على شكل حجاب لتغتسل به البنت بعد اذابته في سطل ماء يبيت تحت النجوم وتقرأ عليه المعوذتين.
سارت العجوز في سبيلها الى منزلها لا تلوي على شيء حتى دخلت الدار وأخبرت ابنتها دون انتظار بحسن الاخبار.
وفعلت البنت بما ذكر وفي الحال المبكر طفق الخطاب في المجيء للخطبة وكثرت الجلبة والعجوز تختارأحسنهم ثروة وتم زواج البنت في أقرب وقت.
أما العجوز فقد نشرت الخبرعن برطال وما فعله بعقل الرجال حتى تم لابنتها الكمال.
وفي الغد تسابقت النسوة على برطال وهو يسبب لكل سؤال على ما يتطلب الحال
وقد توفق الكل في جميع الأحوال.
وبهذا انتشر ذكره وعلا خبره حتى بلغ أذن السلطان وجرى ذلك على كل لسان.
وذات يوم سرق خزين السلطان من جميع المال وحار في الامر الرجال واعياهم البحث والسؤال عن اللصوص الأنذال , واستشاروا في ذلك العقال فأجمعوا القول على برطال واستدعوه في الحال,وطالبوه بحل لغز سارقي المال,
فكر برطال في المحنة ودبر حيلة وهي ان كشفوا أمره يكون فيه موته فمن العجز أن يموت شبعا ويطرد عن أبنائه جوعا ,ولذلك طلب من السلطان أن يأتيه عشاء كل ليلة لسبعة أيام وكل عشاء يتكون من كبش مشوي وفواكه كثيرة ,حتى يتسنى التفكير والنظر والتدبير فيما غاب عن الخبير.
أمر له السلطان بما التمس من النوال.
رجع برطال لداره وهو يفكر في حاله واغلق بابه في وجه كل زائر وهو في أمره حائر حتى دق غلمان السلطان الباب وهم يحملون اللحم والتفاح والأعناب.
اجتمع برطال وذويه على العشاء وهو يقول في استرخاء:كلوا أيها النبلاء فهذا واحد من سبعة.
في تلك اللحظة كان لص من اللصوص يتجسس على برطال وقد سمعه ما قال فنزلت تلك العبارة كالصاعقة عليه وخصوصا أنهم سبعة لصوص,فهرب في الحال وأسر بخبره لصديقه الثاني .
وفي الليلة الثانية جيء بالعشاء لبرطال كما ذكر سابقا ,وقبل أن يتناول برطال الطعام قال لأولاده تمتعوا فهذان اثنان من سبعة.
وفي تلك اللحظة جاء اللصان ليتبينا جلية الشك فيما قاله برطال,لكن العبارة زادت من اليقين ,فذهبا خفية وشكوا أمرهما للص الثالث,فنكر هذا الأخير الأمر وقرر نفسه أن يقف على جلية الأمر ورافقهم في الليلة الموالية,ولكنه للأسف وقف متسمرا حينما سمع برطال يردد:هؤلاء ثلاثة من سبعة,حينذاك رجع اللصوص لحالهم ...........وبقي الأمر على هذا المنوال الى آخر دفعة من العشاء وقد سمعوا برطال يررد :هؤلاء سبعة من سبعة
حين ذلك تأكدوا من الخبر وخافوا من برطال أن يكشف أمرهم للسلطان فيكون جزاؤهم الاعدام,ولذلك قرروا المفاوضة معه على أن يردوا المال للخزينة مقابل تكتمه عليهم,
وافق برطال على طلبهم وهو متعجب للصدفة ,بحيث كان يقصد بقوله أرقام العشاء وهم ظنوا عدد شخصهم.
ولما أصبح الصباح بلغ الخبر للسلطان برجوع المال الى ما كان دون زيادة او نقصان.
ففرح الجميع الا واحد من ذوي النفوس الناقصة والقلوب الحاقدة على برطال وما حازه من الجوائز والعطايا وما ناله من المزايا,فتقدم هذا المنافق للسلطان ووسوس له في أذنه كأنه الشيطان وأوغر قلبه على برطال ,اذقال له :ان برطال هو الذي عزم على المال فسرقه وان كنت مخطئا فجربه بشيء لتتيقن من كذبه وحيله.
فكر السلطان قليلا وقرر امتحانه ,وفي تلك اللحظه كان طائر يسمى برطال يطارد جرادة من الجراد وبالصدفة لقفهما السلطان بقلنسوته وجعلها كسجن لهما ونادى على برطال بكشف ما بداخل القلنسوة.
فكر برطال كثيرا وأخذ يسترجع ذكرياته في الحياة وخصوصا قبل أن يمتهن حرفته الأخيرة التي جرت عليه الا الشؤم والشرفما نجا من الموقف السابق الا بمحض الصدفة حتى انبرى في موقف أشد منه,
وفي تلك اللحظة فكر في زوجته جرادة وما سببت له من مآس وويلات.فشرع يحك في جبينه وهو يقول :(قاصدها بالكلام)ها حر جرادة لو لم تكن جرادة ما جاء برطال الى هذا المكان...
فانتبه والسلطان يصفق عليه وعلى بعد نظره في المسألة وكأنه كان يقصد ما هو مستور في القلنسوة.
أصدر السلطان أمره بأن يصير برطال مشيرا في قصره وخصص له جراية وخلع عليه خلعة سنية وعاش برطال في خير وعز وجاه بالنية الى أن أتته المنية وتلك كانت قصة منسية في الأخبار الشعبية.