قصص قصيرة
كان يمشي في الشارع بسرعة شديدة متخبطاً في السيارات المركونة علي يمين الشارع في محاولة منه لزيادة سرعته , حاملا علي كتفه حقيبة متوسطة الحجم مكتظة بالكتب , كانت الكتب واضحة من الحقيبة دليلاً علي امتلاءها بشكل مبالغ فيه و يحمل تحت ابطيه احد المساطر كبيرة الحجم و في يديه الاخري الة حاسبة من الحجم الكبير , كان يتقدم بسرعة رهيبة وسط الشارع المتوقف تماماً , حيث ان معاد درسه الذي كان قد تأخر عليه نحو خمس عشر دقيقة كان في وقت الذروة فمن المستحيل عليه ان يصل الي مكانه الا سيراً علي الاقدام فهو اسهل بكثير من ركوب سيارة , اثناء مروره وجد سيارة من الحجم الكبير و بها طفل يركب في المكان الخلفي للسيارة , لم يتبين شكل الطفل و لكن كلما اقترب اكثر منه لاحظ بأنه رافعاً يديه و يلوح بها , فتناسي الرجل كل ما وراءه و توقف مكانه فاتحا فاه علي اخره مبتسما لهذا الطفل الجميل الذي لا يعرفه ولم يلتق به من قبل و يلوح له بيديه , و لكن بعد ان اقترب كثيرا فأذا بالطفل رافعاً اصبعه الاوسط و يحركه الي الامام و الوراء و هو يلوح له بلسانه , فمسح الرجل عرقه و تحرك بسرعة نحو ميعاده الذي تأخر عليه .
كان يتحرك نحو ابواب حارته بعد يوم عمل طويل و مرهق و اثناء مروره من امام العمارات في مكان بيته و بينما يستعد للانعطاف الي اليمين للدخول نحو ابواب عمارته كان يشاهد نصف طفل و يتحرك يمناً و يساراً و يتمايل الطفل , فأبتسم الرجل ظناً بأن هذا الولد الصغير يقوم باللعب , فتناسي همومه و احزانه عند رؤية هذا الملاك و هو يمرح , و لكنه و ما ان اقترب اكثر من موضع الطفل حتي تبينت له الرؤية و رفع رأسه الي اعلي ليجد الطفل واقفاً في محل عمل مسمي " البرنس للنجارة " و وجد نفس هذا الطفل ممسكا بيديه الة اشبه بالمنشار و يتحرك بها يمناً و يساراً و يحاول بأن يمسح عرقه بأطراف كمه من دون ان يقطع عمله , فتحرك الرجل نحو ابواب عمارته و بينما يصعد السلالم قال في قرارة نفسه : يا الهي دائما انسي وجود هذا المحل بجوار بيتنا .
ضرب جرس الباب منتظراً قيام احد من افراد هذه الاسرة ليفتح له الباب , كان مبتسماً , يرتدي افضل ما عنده من ثياب و ماسكاً بيديه بعض الحلوي كعربون امتنان لدعوته , كان قد سكن في الشقة المجاورة لهم منذ ايام مضت و بينما يصعد في المصعد التقي بجاره الذي دعاه الي تناول الغذاء معه و مع اسرته في الليلة المقبلة , و اخيراً فتح الباب ليكشف عن وجه خادمة صغيرة فحيته و طلبت منه الدخول إلي البيت و بالفعل تحرك ليجد جميع افراد الاسرة بأنتظاره علي المائدة كان عددهم يتجاوز التسع افراد فأستنتج بأنها اسرة ممتدة و بينما يحيي افراد الاسرة لحظ هذا الشاب الجالس في زاوية اقصي المائدة اخذ في ضحك بشكل هستيري و يتمايل يمناً و يساراً فطلب من رب المنزل الذهاب ليغسل يديه قبل تناول الطعام فأرشده لمكان الحمام و شرع في غسل يديه , و بينما يغسل يديه ابتسم متذكرا هذا الشاب المرح الذي يضحك بشكل هستيري الذي لم يعاني بعد من مأسي الحياة و مازال يعيش عمره الصغير مستمتعا بالشباب بكل ما فيه من حيوية و نشاط , و بعد ان انتهي من غسل يديه و جلس علي المائدة و بدأ يتناول طعامه , وجد هذا الشاب يقف بجواره خادمة مخصصة تطعمه و تلعب معه بينما هو يضحك و يتمايل بالكرسي راجعاً و متقدماً بظهره و تجاهد معه الخادمة ليتناول طعامه , فنظر الرجل نحو طعامه و اخذ يردد و هو يرشف الشوربة من امامه قائلاً : لا حول ولا قوة الا بالله .
كان يسمع بوضوح بعد ان ركن سيارته و يتحرك في خطي ثابتة نحو ابواب عمارته و هذا الطفل الصغير يتحدث مع اطفال في نفس عمره فألتقط بعض من اطراف الحديث :
- كلا , اني مرهق الأن و لا اريد ان العب
- لقد كنا هناك اول امس معك في بيتك و مرحنا كثيرا , لا تكن كئيباً , هيا بنا
- غداً ان شاء الله , حقاً اليوم لا استطيع ان العب معكم
ففهم علي الفور بأنهم يريدون الذهاب معه نحو بيته ليلعبوا هناك سوياً بينما الطفل يرفض ذلك بحجة انه مرهق ولا يريد اللعب , فوجد الرجل صعوبة في الاقتناع بهذه الحجة و لكنه تأكد بأن عقول هؤلاء الاطفال البريئة سوف تقتنع بهذه الحجة , و بينما يتحرك نحو ابواب عمارته سبقه الطفل الي منزله راكضاً فالتقط بعض من اطراف الحديث بعد ذهاب الولد قائلين :
- الم اقل لك , هل تصدقني الأن , فأبتسم الولد الاخر و ردد قائلا :
- معك حق , عائلة من البلهاء , هيا بنا لنذهب .
فلم يفهم الرجل ما يقصده هؤلاء الاطفال بعائلة من البلهاء و لكن بينما يفتح ابواب بيته ترامي الي مسمعه صوت خناق بين رجل و امرأة و ينهمر السباب بشكل من الصعب تجاهله , و يسبون بعضهم بكلمات بذيئة و شنيعة , ففتح الرجل بابه علي الفور ثم اغلقه وراءه مانعاً نفسه من سماع المزيد من هذه الكلمات القذرة , و لكن ما ان اغلق الباب وراءه حتي تذكر بأن هذا الطفل المرهق ما هو الا جاره القابع في المنزل المجاور له