بــــراءة في ظل الاحتضار

تقتحم مخالب القسوة لتخوض الاحتضار عنوة ، هكذا كانت حنان طفلة صغيرة مرغمة أن تعيش في ظل فقدان بصر احدى عينيها ، لم يجعلها ذلك ان تكون بائسة فلقد طوقتها البراءة وحجبت عنها رؤى حياتها القاسية ، ومنحتها ابتسامتها الكثير من الجمال لما فيها من عذوبة ورقة تنصاع لها بمجرد ان تشاهدها تمرح او تقفز هنا وهناك ، كنت آنذاك في 35 من العمر أعيش لوحدي بالقرب من منزل حنان ، كعادتي الصباحية احتسي قهوتي وأنا أقرأ بعض القصص ، لا اعلم كيف توجهت أنظاري إلى نافذتي عندها شاهدت حنان تقفز وتلعب ، توقفت عن القراءة وأخذت أتتطلع إليها ، كنت شغوفاً بحب الأطفال ، إلا إن حنان لها براءة خاصة تمنحني أملا اكبر في حياتي وتحدي للملل والتعب الذي أتكبده بسبب عملي الشاق ، للحظة انتبهت إني انظر إليها سرعان ما أطرقت رأسها خجلا ودخلت مسرعة إلى بيتها ، لا اعلم شعرت دوما إن هناك شيء ينقصها ، ليس السبب في كون احد عيونها فاقدة للبصر ، إنما خوفها المستمر من أي شخص تشاهده ، كنت دوما أحاول ان اقترب منها لكنها تهرب مسرعة خائفة وأحيانا أراها ترتجف ، لذلك اعتدت ان أضع لها حلوى قرب باب منزلها في أوقات فراغي ، كانت أمها تشاهد كل ما افعله في بعض الأحيان لكنها لم تكن تتحدث معي ، كانت تدور في رحى أفكاري العديد من الأسئلة ، عن محاولة حنان الدائمة في تكذيب نظراتي المملوءة بالمحبة ، كانت تخشى اقترابي منها ، حاولت إن أتحدث إليها بعد فترة ، عندما خرجت من بابي الخلفي ودرت حول منزلها كانت تغني كالأطفال عادة ، تفاجئت إنها بدأت ترتجف وهي تقول :

أرجوك لا تضربني !!! فرت مع دموعها مسرعة ولا زلت أتوجس لغة ما عهدتها من طفل بمثل عمرها ، مضى وقت حتى بدأت تعتاد وجودي أكثر ، لعلها ذكية بما فيه الكافية لتدرك إني اعشق براءتها ، بعد يوم طويل وشاق كان هناك صوت ممزوج بعبير الطفولة الأخاذة يداعب مسامعي على حين غرة ، كانت حنان تقف بالقرب مني وتقول :

هل تضربني ان طلبت منك إن تقبلني .. ابتسمت إليها ..

كلا صغيرتي ... حملتها من على الأرض وطبعت قبلة على رأسها ، أحسست بهدوء عواصفها ودمعت عيوني عندما احتضنني بقوة وقالت :

هل يوجد عندك أب ؟؟؟

_ كلا صغيرتي

_ وأنا أيضا .. أمي تقول انه رحل بعيداً ولن يعود لان يسكن في عالم أخر ، هل تستطيع ان تكون أبي أنت ؟؟

_ ملكني الصمت لكني سرعان ما قلت إليها اجل صغيرتي أنا مثل أبوك ..

_ هل سوف تقبلني وتحضني كلما رأيتني ؟؟؟

_ ابتسمت إليها وقلت لها نعم صغيرتي ...

شعرت للحظة ان حنان التمست شيئا من حنين كانت بحاجه إليه طيلة الوقت ، لعل المتسبب الأكبر هو وحشية القدر الذي جعلها تتذوق مرارة رغم ربيع عمرها ، لم أكن ارغب يوماً ان اسألها عن سبب فقدانها لأحد عيونها لكنها همت تقول حتى وان كنت لا أرى إلا بعين واحدة هل أنت موافق ان تكون ابي ؟

_ أجل صغيرتي أوافق لاني احبك مثل ابنتي .. لكن هلا تخبريني عن سبب ذهاب بصرها فقط ؟؟

_ انه زوج امي كان يضربني كلما شاهدني ، ضربني مرة على عيني فذهب بصرها .

احتضنتها وبكيت هذه المرة بحرقة وحسرة على براءة يعوزها الحب والحنان ، صغيرتي اين هذا زوج امك ؟؟؟

_ لقد تركته امي بعد ذلك ...

فهمت سبب خوف حنان من كل شخص يقترب منها ، وفهمت لما كانت تقول لا تضربني .. حقيقة فكرت ان ابحث عن ذلك المتوحش لأقتلع عينيه ، لكني ذكرت الله وحمدته على كل شيء ، وهمست بإذنها .. صغيرتي لن يؤذيك احد ما دمت على قيد الحياة .