belkacem_las
عضو
57 19/08/2010
| موضوع: إكرام ....قصة واقعية الإثنين 23 أغسطس 2010, 11:35 pm | |
| في حدود الساعة الخامسة صباحا وصلت بنا الحافلة القادمة من الريف نحو مدينة طنجة المزدحمة، كانت أول مرة آتي فيها لهذه المدينة المكتظة بالبشرمن كل نوع وجنس,
خصوصا الأفارقة الذين يبحثون عن فرصة للهجرة السرية. رغم أن الوقت لازال مبكرا إلا أن المحطة كانت مكتظة بالمغادرين منها والقادمين إليها،
وقفت أتأمل ابن أختي في مهمة فاشله للبحث عن أغراضنا بين حاجيات المسافرين وأنا ألتفت يمنة ويسرة فقد حذرني كل من علم بسفري لهذه المدينة الكبيرة من اللصوص والمحتالين،
أحكمت الإمساك بحقيبة يدي تحت إبطي رغم أنها لاتحتوي إلا على بطاقتي الوطنية ، بينما خبأت النقود في جيب بنطلوني الفضفاض،ولبست فوقه جلبابا تقليديا..
احترسي جيدا أنت تعلمين أن طنجة مدينة كبيرة جدا وليست كمدينتنا الصغيرة، لا تثقي بأحد ، لا تسيري في الأماكن الخالية لا تركبي التاكسي الكبير، اركبي الصغير.......
دوت كلمات والدتي - التي أمطرتني بها قبل أن أغادر مدينتنا -مرة أخرى بأذني..
ـ هاهي ذي حقيبتنا ... قال ابن اختي
ـ وأخيرا وهل أتيت بها من قندهار.. قلت غاضبة منه فقد استغرق وقتا طويلا قبل أن يجدها ..
تابعت كلامي ...: أنت هكذا دائما لا يعتمد عليك، كل شيء لديك يستغرق دهرا قبل عمله
- لقد فعلت ما بوسعي لقد شاهدت بعينيكِـ كيف يدفعون بعضهم هناك للحصول على حقائبهم .
- وأنت طبعا لم تفعل مثلهم بل انتظرت حتى انتهى الجميع وقد خلا لك المكان لتبحث أنت عن أغراضنا التي قد تجدها وقد لا تجدها.
ـ ولكني وجدتها ياخالتي.. قال مبتسما
ـ قلت غاضبة لا تناديني بخالتي قلت لك ( كانت تفصل بيننا سنة فقط)
غادرنا المحطة نبحث عن سيارة أجرة صغيرة.. نعم صغيرة لا تحاول ايقاف سيارة كبيرة قلت لابن أختي
استقلنا سيارة أجرة عتيقة كل مافيها يدل على انتهاء صلاحيتها ؛ صوت محركها ، كراسيها متهالكة عندما تجلس عليها وكأنك سقطت في حفرة .
إلى أين ...؟ صرخ بنا السائق المتثائب
ـ تبادلت النظرات وابن اختي .. وتذكرت أن العنوان موجود عندي بورقة .. بحثت في قاع حقيبة يدي الفارغة
ـ طلع لل.. الادريسية الشريف الله يخليك .قال ابن أختي ، حمدت الله على أن مخه لازال يعمل في بعض الأحيان
وصلنا للعنوان المقصود بيت صديق أخي ..استقبلتنا .. كانت أول معرفتي بها.. إكرام بنت السادسة عشر من عمرها ،قادتنا الى غرفة الجلوس، وكان يبدو أنها أول من استيقظ ممن في المنزل ،
اعتقدتها في البداية خادمة عند السيدة مينة زوجة صديق أخي ولكني اندهشت عندما نادتها بأمي وهي تخبرها عن وصولنا ..!
تعرفت على مينة وجلبت إكرام الفطور قهوة بالحليب وابريق اخر من الشاي بالنعناع ومالذ وطاب من فطائر المسمن والحرشة , وكأن تلك الفتاة لم تنم الليل كله وقضته في اعداد ذلك الفطور الشهي..
كانت اكرام أول من يصحو في الصباح وآخر من يأوي لفراشه في الليل , استغربت أكثر عندما رأيتها تنام في غرفة فوق سطح المنزل..كثرت التساؤلات حتى كدت أنسى سبب مجيئي
لمدينة طنجة ..؟
بعد أن أخذنا قسطا من الراحة ذهبت مع السيدة مينة الى الطبيب المختص للكشف .. فقد كنت أعاني من مرض جلدي ومدينتنا لا تتوفر على اختصاصيين آنذاك ..
ولجنا عيادة خاصة كلما فيها يوحي بثمن الكشف ، وبعد أن عاينني الطبيب أمرني بأخذ علاج لمدة أسبوع مع متابعته لحالتي.بعد أن انتهينا تجولنا قليلا في شوارع عروس الشمال ،
البائعون المتجولون في كل مكان عكس مدينتنا الصغيرة لا تجدهم الا في الاسواق .ازدحام واكتظاظ في كل مكان وأتربة تغطي البضائع المطروحة على الأرض.عدنا الى المنزل بعد معاناة في إيجاد سيارة أجرة ،
فهي تقل ساعة الظهيرة ..وجدنا إكرام وقد رتبت البيت ونظفته وطبخت طاجين حوت بالبطاطا الحلوة ,اجتمع الجميع حول المائدة إلا هي .. سألت عنها مينة فقالت أنها ستأتي وعلي أن آكل ولا أهتم ,
آنذاك دخلت إكرام تحمل صينية أكواب عصير الفراولة والجزر والبرتقال الذي صنعته جعلت لها مكانا بجانبي وطلبت منها الجلوس ، تبادلت النظرات مع والدتها فهمت بالخروج فورا,
بينما أولادها الآخرون إلتهموا نصف الأكل .. استغربت أكثر لم أكن أريد أن أظهر اهتمامي بموضوع إكرام لكي لا أحرج مينة..وبعد أن اقترب الجميع من الانتهاء نادت عليها والدتها :
( جيبي الدلاح نتي و آجي تاكلي مالكي ثقيلة)..
جلست إكرام تأكل البقايا وتلتهمها ، فتاة جميلة لولا أثر جرح غائر في خدها الأيسر ذلك الذي كان سببه كما توقعت، الضرب من طرف والدتها مينة فقد لا حظت من خلال مدة استضافتهم لي كم هي قاسيه معها
بل وتضربها وتركلها كجرو ضعيف دون شفقة بل ولاحظت ذات ليلة بينما كانت تناولني منشفة آثار مخالب مينة فوق رقبتها.استأت من معاملة تلك السيدة لابنتها اكرام وقساوتها عليها
فلم أصادف في الدنيا بعد أم تقسو على فلذة كبدها , بينما تعامل تعامل الذكور الخمسة معاملة أخرى وكأنهم أمراء، احترت في أمرها أكثر ولم أستطع أن أهتدي لسبب يجعلها تعاملها
بتلك الطريقة الخالية من الرحمة و تعذبها كل ذلك العذاب ، بل وقبل أن تأوي إلى فراشها تنادي عليها مينة بأن تضع مرطبا على رجليها ويديها وتدلكهما لها ..
و تنهال عليها بالسب إذا وجدتني أساعدها في شيء عن طيب خاطر مني . أكملت فترة العلاج وقبل أن أغادر سحبت خاتما من أصبعي وأهديته لاكرام على حسن ضيافتها وتعبها معنا...
-ذلك الخاتم الذي شاهدته بعد ذلك في أصبع مينة عندما كانت في زيارة لنا- ..!
مرت الأيام فعلمت من أخي أن مينة ليست والدة إكرام ولكنها زوجة والدها التي كانت تترد على بيت والدها بحكم القرابة التي تجمعهما حتى فرقت بين الزوج وزوجته أم إكرام وتزوجته مينة،
فرمى جد إكرام والد أمها بها بين براثن زوجة والدها وهي بنت الشهرين باعتقاده أنه خلص ابنته من طفلة ستحرمهما من فرصة الزواج مرة أخرى..
لم ترى إكرام والدتها أبدا وخصوصا بعد رحيلهم من الأرياف لمدينة طنجة . مرت أعوام عدة على لقائي بها عندما علمت بزواجها وحضرت والدتها عرسها لتراها لأول مرة في بيت عريسها
وبما أن السعادة تتنكر دائما للأبرياء فقد توفي زوج إكرام بعد شهرين فقط من زواجها لتعود لمخالب زوجة الأب المتسلطة لتعمل خادمة بقية عمرها... | |
|