المديونية
أسباب نشأة المديونية الدولية
إن تراكم الديون العربية الخارجية و تشكيلها عامل ضغط في غاية الخطورة على الدول العربية ووسيلة وورقة ضغط تستطيع من خلالها الدول و المؤسسات المالية الكبرى المالكة ، لها أن تسيّر الدولة المدينة وفق رغباتها و أهوائها، و المشكلة الكبرى أنها تقوم بذلك تحت ستار أنها تعمل على تنمية هذه الدولة المدينة و تطويرها من خلال ما تقدمه من أموال تعين بها هذه الدولة على النهوض ،رغم أنها و بطريقة غير مباشرة تقوم بإعادة هذه الأموال لنفسها ، و من ثم تبدأ بمطالبة هذه الدولة المدينة بسداد هذا المال الذي من المفترض انه قد تم إقراضه لها بل و تخديمه أيضا.
و نحن هنا و للموضوعية لا نحمّل هذه الدول الدائنة المسؤولية لوحدها فالمسؤولية مشتركة بين ما رغبت به هذه الدول و ما قامت به الدول المدينة لمساعدتها على تحقيق ما تريد من دون أن تدري ، فهدف هذه الدول المدينة كان حصولها على المال بأي ثمن في ظل غياب إستراتيجية حقيقية لعملية التنمية و عدم وضوح الرؤية حول طبيعة و مجالات و حدود الاستخدامات الرشيدة لهذه القروض و الطاقات و القدرات التسديدية للدول المدينة الأمر الذي أدى إلى إرباك عملية التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و تبعية الحالة السياسية ، مما احدث أخطاء جسيمة فجرت هذه الأزمة و تحولت القروض من عامل للتنمية إلى عامل مدمر لها ، و لاسيما أمام استحالة تسديد أقساط و خدمات الديون في مواعيدها ، فعادت هذه الدول للاقتراض لسداد ما اقترضته سابقا و بالتالي تقديم المزيد من التنازلات سياسية و اقتصادية بل و عسكرية و اجتماعية أيضا ، و مما زاد الأمر سوءا هو لجوء بعض هذه الدول إلى طلب إعادة جدولة ديونها الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه للتدخل في شؤونها الداخلية و رغم ما تم تقديمه من جهود و مقترحات ومناقشات تتناول هذه الأزمة إلا أنها كانت تقوم في جوهرها على محاولة التخفيف من الأزمة و ليس إيجاد حل ناجع لها .
كيف نشأت المديونية ؟ .
لقد بدأت الديون الخارجية بدافع الحصول على رؤوس الأموال لتنمية و تطوير الاقتصاد الوطني فأمام عجز المدخرات المحلية للدول النامية و خاصة العربية منها عن تلبية ما تحتاج إليه عملية التنمية من أموال لتحقيقها و تطويرها و استمرارها لجأت هذه الدول للاستدانة و الاقتراض إلا أن التوجه غير السليم و عدم وجود الرؤية الواضحة لتحقيق هذا الهدف و غياب التخطيط السليم و العقلاني المطلوب ، ساهم في زيادة الحاجة للاستدانة و الاقتراض و لاسيما عدم وضوح الرؤية حول مجالات و حدود الاستخدامات الرشيدة للقروض و غياب الأسس و المعايير التي تحدد بموجبها الدول المدينة طاقاتها التسديدة لديونها كلها عوامل جعلت من الدول العربية غير مكترثة عند عقدها للقروض ، فالهدف في البداية كان الحصول على الأموال بأي شكل كان و بالتحليل النهائي قامت الديون بامتصاص الاحتياطات لنقدية الرسمية للدول المدينة و انخفاض القدرة الاستيرادية ، الأمر الذي أدى إلى إرباك عملية التنمية التي من اجلها جرى استجرار القرض ،و حدوث أخطاء خطيرة ساهمت بشكل أساسي في تفجير هذه الأزمة مما جعل الديون خطرا حقيقيا على جهود التنمية في الدول العربية و آفاقها في المستقبل، الأمر الذي أجبر هذه الدول على تخصيص جزءا كبيرا و هاما من مواردها الوطنية لخدمة ديونها و أمام هذه الأوضاع الصعبة جدا أصبح من شبه المستحيل سداد أقساط ديونها و سداد فوائدها في مواعيدها مما دفعها إلى الاقتراض من جديد ، و لكن هذه المرة لا لدفع عجلة التنمية بل لسداد ديونها القديمة و أمام تفاقم هذا الوضع اضطرت العديد من الدول العربية التي تثقلها الديون إلى تقديم تنازلات و تسهيلات سياسية و اقتصادية و أحيانا عسكرية و أمنية تتناسب مع توجهات و استراتيجيات الدول الدائنة بل إن تفاقم الأزمة في عدد من الدول دفعها إلى اللجوء إلى طلب إعادة جدولة ديونها الخارجية الأمر الذي جعلها تحت ضغط الدول الدائنة و تدخل المنظمات الدولية في شؤونها الداخلية و سيادتها .
ما حجم الديون العربية الخارجية؟ وما مقدار أعبائها؟ وماذا تقول هذه الأرقام عند مقارنتها بالمداخيل العامة للدول العربية؟ هذا المحور محاولة لتلمس الإجابة على هذه الأسئلة.
وقبل الخوض في التفاصيل السابق الإشارة إليها هناك عدة ملاحظات تم الاسترشاد بها ويمكن إجمالها في الآتي:
الدول العربية المدينة
لا تشمل الدول العربية المدينة سبع دول منتجة للنفط وهي السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر والعراق وليبيا، لأن المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لا تعتبرها دولا مدينة من منظور الوضع الصافي للمديونية إذ إن الصعوبات المالية التي تمر بها هذه الدول مجرد صعوبات مؤقتة ترتبط بالتدفقات النقدية أكثر منها صعوبات جذرية في هياكلها الاقتصادية، كما أن هذه الدول تفضل الاقتراض المحلي نظرا لتوفر السيولة المحلية، ولكونه أقل حساسية من الاقتراض الخارجي.
الدين العام الخارجي
يشمل إجمالي الدين العام الخارجي في ذمة الدول العربية المقترضة الديون الطويلة والقصيرة الأجل من الجهات الرسمية والخاصة، وتسهيلات صندوق النقد الدولي، والديون الخاصة غير المضمونة.
بين المصادر الوطنية والدولية
تم الاعتماد على التقارير والإحصاءات الاقتصادية التي تصدر عن المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسة التمويل العالمي للتنمية وصندوق النقد العربي، ولم يتم الاستعانة بالمصادر الوطنية إلا في مواضع قليلة لأن هذه المصادر لم تقدم إحصاءات مكتملة وكافية تساعد في استخلاص المؤشرات المتعلقة بديونها الخارجية.
كما تم الاعتماد على التقارير والإحصاءات التي رصدت حجم الديون الخارجية لعام 2000 إذ لم تصدر حتى الآن عن هذه المؤسسات إحصاءات ترصد حجم هذه الديون لعام 2001.
دلالة فترة الرصد
رصد المحور مديونيات الدول العربية المقترضة في نهاية عامي 1995 و2000 بدلا من الاعتماد على رصد المديونيات في عام أو عامين كما جرت عليه العادة في التقارير الاقتصادية، وذلك بقصد الوقوف على الوضع الحقيقي للمديونية العربية ويسهم في استخراج مؤشرات دقيقة وليست وقتية لهذه المديونية.
وسيحاول التقرير عرض مسألة الديون العربية الخارجية من خلات المحاور الآتية:
الدين العام الخارجي
بلغ إجمالي الدين العام الخارجي في ذمة الدول العربية المقترضة في نهاية عام 2000 نحو 144 مليار دولار تقريبا، وانخفض إجمالي هذا الدين عن حجمه في عام 1995 بمقدار 15.5 مليار دولار تقريبا، أي أن وضع المديونية شهد تحسنا نسبيا في عام 2000 إذ انخفض حجم الدين الخارجي بنسبة 9.6% مقارنة بعام 1995.
الدين العام الخارجي بين عامي 1995 و2000
الدولة الدين العام الخارجي (مليون دولار)
الفترة الزمنية 1995 2000
الأردن 6299 6753
تونس 10923 11568
الجزائر 32781 25000
جيبوتي 165.3 400
السودان 17603 15938
سوريا 21318 21272
الصومال 2678 2555
عمان 3181.0 3555
لبنان 1332.4 6870.8
مصر 31776 27109
المغرب 22445 16372.1
موريتانيا 2320 1500
اليمن 6217 4935.3
المجموع الكلي 159138.7 143828.3
يتضح من الجدول التالي:
• أن خمس دول عربية قد سجلت زيادة في إجمالي ديونها الخارجية هي: الأردن وتونس وجيبوتي وعمان ولبنان
• وبلغت هذه الزيادة 6.5 مليارات دولار (29.8%).
• كانت أدنى هذه الزيادات في تونس 645 مليون دولار (5.9%)، وأعلاها في لبنان 5.5 مليارات دولار (415%).
الدول العربية المقترضة
التي زادت مديونياتها بين عامي 1995 و2000
الدولة الزيادة (مليون دولار) الزيادة (%)
الفترة الزمنية 1995 2000
الأردن 454.1 7.2
تونس 645 5.9
جيبوتي 134.7 50.7
عمان 374 11.7
لبنان 5538.4 415
الإجمالي 6565.7 29.8
أما بقية الدول العربية فسجلت انخفاضا في حجم مديونياتها بنحو 22.4 مليار دولار (16.3%) بلغ أعلاها في موريتانيا 820 مليون دولار (35.3%)، وأدناها في سوريا 460 مليون دولار (0.2%).
الدول العربية المقترضة
التي انخفضت مديونياتها بين عامي 1995 و2000
الدولة الانخفاض (مليون دولار) الانخفاض (%)
الفترة الزمنية 1995 2000
الجزائر 7781 23.7
السودان 1665 9.4
سوريا 46 0.2
الصومال 123 4.5
مصر 4667 17.2
المغرب 6072.9 27
موريتانيا 820 35.3
اليمن 1281.7 20.6
الإجمالي 22456.6 16.3
إجمالي الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي
توضح نسبة إجمالي الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي عبء المديونية الخارجية في الدول العربية المقترضة، وتشير إلى قدرة اقتصادياتها على تحمل أعباء هذا الدين، ومدى استمراريتها على الالتزام بذلك.
ففي عام 2000 بلغت هذه النسبة 49.9% في حين كانت 73.3% في عام 1995، وبذلك حققت الدول العربية المقترضة نجاحا في انخفاض نسبة هذا المؤشر بنحو 23.4% عام 2000 مقارنة بما كانت عليه عام 1995. نسبة
إجمالي الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي
ما بين عامي 1995 و2000
الدولة الناتج المحلي الإجمالي
(مليون دولار) الدين العام الخارجي (مليون دولار) نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي (%) تغير نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي
السنوات 1995 2000 1995 2000 1995 2000
الأردن 6733 8340 6299 6753.1 93.6 81.1 12.5-
تونس 18050 19453 10923 11568 60.5 59.5 1.0-
الجزائر 41240 53801 32781 25000 79.5 46.5 33.0-
جيبوتي 491 549 265.3 400 54.1 72.9 18.8+
السودان 9550 12836 17603 15938 184.3 124.2 60.1-
سوريا 16617 18770 21318 21272 128.3 118.7 9.6-
الصومال 121 121 2678 2555 2210.7 2109.2 101.5-
عمان 13803 19773 3181 3555 23.0 18.0 5.0-
لبنان 11122 16491 1332.4 6870.8 12.0 41.7 29.7+
مصر 60159 95801 31776 27109 52.6 27.8 24.8-
المغرب 33042 32904 22445 16372.1 68.0 49.8 18.2-
موريتانيا 1059 986 2320 1500 219.7 152.1 67.6-
اليمن 5111 8532 6217 4935.3 121.6 57.8 63.8-
المجموع الكلي 217098 288357 159138.7 143828.3 73.3 49.9 23.4-
يلاحظ من الجدول التالي:
• زيادة المؤشر في جيبوتي بمقدار 18.8% ولبنان بمقدار 29.7%.
• وانخفض في بقية الدول العربية المقترضة
• وبلغ ذروته في موريتانيا (67.6%).
وبغرض المقارنة بين أوضاع الدول العربية المقترضة وفقا لمؤشر نسبة الدين العام الخارجي القائم إلى الناتج المحلي الإجمالي في عامي 1995 و2000، يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات هي:
• المجموعة الأولى:
وتضم الدول التي يعتبر عبء المديونية فيها معتدلا نسبيا حيث تقل نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها عن 50%
• المجموعة الثانية:
وتضم الدول التي يعتبر عبء المديونية فيها مرتفعا حيث تتراوح النسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها ما بين 50 و100%.
• المجموعة الثالثة:
وتضم الدول التي يعتبر عبء المديونية فيها عاليا نسبيا حيث تزيد فيها نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي عن 100%.
الدين العام الخارجي للدول العربية في عامي 1995 و2000
المجموعة الدين الخارجي (مليون دولار) نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي (%) خدمة الدين العام الخارجي
(مليون دولار) نسبة خدمة الدين العام إلى صادرات السلع والخدمات (%)
الفترة الزمنية 1995 2000 1995 2000 1995 2000 1995 2000
المجموعة الأولى:
1.عمان
2.مصر
3.لبنان
4.الجزائر
5.المغرب 91515 78907 57.4 36.1 10038 9655 21.7 15.5
المجموعة الثانية:
1.تونس
2.جيبوتي
3.اليمن
4.الأردن 23704 23656 77.0 64.2 2171 2617 14.6 15.5
المجموعة الثالثة:
1.سوريا
2.السودان
3.الصومال
4.موريتانيا 41241 38710 151.5 118.8 273 1436 3.7 15.6
المجموع الكلي 159139 143828 73.3 49.9 12482 13759 18.1 15.6
يتضح أن أداء هذه المجموعات الثلاث يشهد تحسنا في بعض مؤشرات عبء المديونية فيها، كما يلاحظ وجود تباين في بعض هذه المؤشرات في عامي 1995 و2000، وهنا أهم هذه الملاحظات:
• فبالنسبة لحجم الديون الخارجية يلاحظ أنه شهد انخفاضا متفاوتا في المجموعات الثلاث بنحو 12.608 مليار دولار و48 مليونا و2.531 مليار دولار على التوالي.
• وسجلت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي انخفاضا في المجموعات الثلاث بمقدار 21.3% و 12.8% و 32.7% على التوالي، كما انخفضت خدمة الدين في المجموعة الأولى بنحو 383 مليون دولار، وزادت في المجموعتين الثانية والثالثة بنحو 446 مليون دولار و1.163 مليار دولار على التوالي.
• وسجلت نسبة خدمة الدين العام الخارجي إلى إجمالي صادرات السلع والخدمات في المجموعة الأولى انخفاضا بمقدار 6.2%، وارتفعت هذه النسبة في المجموعتين الثانية والثالثة بمقدار 0.9% و11.9% على التوالي.
خدمة الدين العام
سجلت خدمة الدين العام -بما تشمله من سداد أقساط الديون الخارجية والفوائد التي تترتب عليها- في الدول العربية المقترضة عام 2000 نحو 13.7 مليار دولار محققا ارتفاعا مقارنة بعام 1995 بمقدار 1.2 مليار دولار وبنسبة 10.2%. ففي الأردن على سبيل المثال انخفضت خدمة الدين بمقدار 169 مليون دولار، وفي مصر بمقدار 397 مليون دولار، وفي المغرب بمقدار 1.228 مليار دولار، وموريتانيا بمقدار مليوني دولار، في حين زادت هذه الخدمة في بقية الدول العربية المقترضة وبلغت ذروتها في سوريا بمقدار 975 مليون دولار.
خدمة الدين العام الخارجي ما بين عامي 1995 و2000
الدولة إجمالي خدمة الدين
(مليون دولار) مقدار التغير في إجمالي خدمة الدين (مليون دولار)
الفترة الزمنية 1995 2000
الأردن 499 530 31+
تونس 1568 1855 287+
الجزائر 3943 5059 1116+
جيبوتي 13.5 14.2 0.7+
السودان 17 207 190+
سوريا 154 1129 975+
الصومال 0.0 51 0.0
عمان 466 297 169-
لبنان 189.3 484.5 295.2+
مصر 2015 1618 397-
المغرب 3425 2196.4 1228.6-
موريتانيا 102 100 2-
اليمن 90 217.7 127.7+
المجموع الكلي 12481.8 13758.8 1277+
نسبة خدمة الدين الخارجي إلى إجمالي صادرات السلع والخدمات
يوضح مؤشر نسبة خدمة الدين الخارجي إلى إجمالي صادرات السلع والخدمات ما يستهلكه سداد أقساط وفوائد الدين الخارجي من التدفقات المالية بالعملة الصعبة في الدول العربية المقترضة والتي تتحصل عليها من حصيلة ما تصدره من سلع وخدمات، وبذلك يمكن أن تقف خدمة الدين عقبة أمام الحفاظ على هذه التدفقات التي تلجأ إليها الدول -مع وسائل أخرى- في وقت الأزمات.
كما أنها تعمل على تحسين سعر صرف عملتها الوطنية مقابل العملات الأجنبية، الأمر الذي يؤدي إلى استقرار اقتصادياتها ويعمل على جلب رؤوس الأموال إليها.
وإذا نظرنا إلى هذا المؤشر في الدول العربية المقترضة نلاحظ أنه في عام 2000 حقق 15.6%، مسجلا انخفاضا عن عام 1995 بمقدار 2.5%.
نسبة الدين الخارجي إلى إجمالي صادرات
السلع والخدمات في عامي 1995 و2000
الدولة نسبة خدمة الدين إلى إجمالي
صادرات السلع والخدمات (%) مقدار التغير في النسبة
بين عامي 1995 و2000
الفترة الزمنية 1995 2000
الأردن 14.4 15.0 0.6+
تونس 19.6 21.6 2.0+
الجزائر 32.6 24.7 7.9-
جيبوتي 7.6 7.5 0.1-
السودان 2.5 11.4 8.9+
سوريا 2.5 16.3 13.8+
الصومال 0.0 28.7 0.0
عمان 7.2 2.7 4.5-
لبنان 11.7 19.1 7.4+
مصر 13.7 8.6 5.1-
المغرب 30.0 23.1 6.9-
موريتانيا 20.0 23.0 3.0+
اليمن 2.8 5.3 2.5+
المجموع الكي 18.1 15.6 2.5-
ووفقا للجدول نلاحظ التالي:
• ارتفعت هذه النسبة في الأردن بمقدار 0.6%، وفي تونس بمقدار 2.0%، وفي السودان بمقدار 8.9%، وفي سوريا بمقدار 13.8%، وفي لبنان بمقدار 7.4%، وفي موريتانيا بمقدار 3.0%، وفي اليمن بمقدار 2.5%.
• انخفضت هذه النسبة في باقي الدول العربية المقترضة.
• وبلغت ذروتها في الجزائر بمقدار 7.9%.
مما سبق يلاحظ أن إجمالي حجم الدين العام الخارجي بالنسبة للدول العربية المقترضة ككل انخفض في نهاية عام 2000 بنحو 15.5 مليار دولار مقارنة بعام 1995. وتزامن هذا الانخفاض مع ارتفاع قيمة إجمالي الناتج المحلي وإجمالي صادرات السلع والخدمات في الدول العربية ومنها الدول المقترضة، ويرجع ذلك إلى العوامل الآتية:
• برامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي التي اتبعتها هذه الدول وكان لها الأثر الإيجابي في استقرارها الاقتصادي الذي حفز جانب العرض من السلع والخدمات وساعد على ارتفاع قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة فيها.
• ارتفاع أسعار النفط العالمية وكميات تصديره من هذه الدول.
• ارتفاع قيمة الدولار الذي تسعر به المبادلات النفطية مقابل العملات الدولية الأخرى.
وقد أثرت هذه العوامل إيجابيا في مؤشرات قياس عبء المديونية الأخرى -فيما عدا مؤشر خدمة الدين- إذ انخفضت نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي بنحو 23.4% في عام 2000 مقارنة بعام 1995، كما انخفضت نسبة الدين إلى إجمالي صادرات السلع والخدمات بمقدار 2.5% في عام 2000 مقارنة بعام 1995.
ولم يكن هناك اختلاف في المنظور الفردي عن المنظور الكلي للدول العربية المقترضة، فتأثرت الدول العربية بالعوامل التي سبقت الإشارة إليها، فارتفع إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في معظم الدول العربية المقترضة في حين انخفض في المغرب وموريتانيا.
وارتفعت القيمة الإجمالية للصادرات العربية ومنها صادرات الدول المقترضة التي يسهم قطاع النفط بنسب مؤثرة في ناتجها المحلي الإجمالي، فتوضح البيانات أن الصادرات السلعية في الدول العربية المقترضة المصدرة للنفط ارتفعت في الجزائر بحوالي 76% وفي اليمن بحوالي 65.2% وفي سوريا بحوالي 35.2% وفي مصر بحوالي 34.8%، وبلغت ذروتها في السودان بحوالي 132% بسبب بدئه في تصدير النفط في عام 1999 والذي تزايد في عام 2000، فحقق الميزان التجاري للسودان فائضا وصف بأنه الأول من نوعه منذ أكثر من عقدين، وذلك رغم تراجع الصادرات غير النفطية فيه بسبب الحظر الذي كان مفروضا على صادراته من الثروة الحيوانية في عدد من الأسواق المجاورة.
واتسم في المقابل أداء الصادرات السلعية في الأردن ولبنان بالنمو المحدود، كما حدث تراجع في القيمة الإجمالية بالدولار لصادرات تونس والمغرب رغم أن قيمة هذه الصادرات بالدينار التونسي والدرهم المغربي ارتفعت بنسبة 15% و7% على التوالي في عام 2000، ويرجع ذلك إلى تأثر صادرات البلدين بانخفاض اليورو مقابل الدولار إذ يتجه جزء كبير منها إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، وبالنسبة لموريتانيا وجيبوتي فقد تواصل فيهما ارتفاع قيمة الصادرات في عام 2000 في ظل جهودهما الإصلاحية.
وانخفض حجم الديون الخارجية في ثماني دول عربية مقترضة بنحو 22.5 مليار دولار تقريبا، في حين ارتفع حجم هذه الديون في خمس دول عربية مقترضة بنحو 6.5 مليارات دولار تقريبا.
وتحسنت مؤشرات قياس عبء المديونية في العدد الأكبر من الدول العربية فيما عدا مؤشر خدمة الدين العام الذي شهد ارتفاعا في غالبية هذه الدول، فقد استطاعت الأردن ومصر والمغرب وموريتانيا فقط خفض خدمة ديونها العامة، في حين ارتفعت هذه الخدمة في باقي الدول العربية المقترضة، ويرجع ذلك إلى أن أعباء الديون الخارجية لهذه الدول ارتفعت بنسب تفوق نسبة الزيادة في القيمة الإجمالية لصادراتها.
وبالنسبة لتصنيف الدول العربية المقترضة إلى مجموعات وفقا لمؤشر نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي فقد ظهر التباين بين هذه الدول من حيث حجم وطبيعة مشكلة المديونية ومستويات النمو الاقتصادي بها، لذا فإن مشكلة الدين العام الخارجي التي تعاني منها هذه الدول لا تتطلب اتخاذ سياسات ذات صبغة واحدة، بل يجب اتخاذ سياسات تتناسب مع طبيعة المشكلة في كل دولة عربية على حدة.
مواقف المؤسسات المالية من أزمة المديونية
إن الدارس لبرامج التكيّف التي يعتمدها الصندوق يجد أنها تنطوي على جانبين أساسيين :
1 – جانب إدارة الطلب : و يقصد به أن الإجراءات التي يفرضها الصندوق يجب أن تضمن أن يكون مستوى و توزيع الطلب الكلي يتوافقان مع الأهداف التي حددتها السلطات في مجال الاستثمار و النمو الاقتصادي . بحيث تؤدي إلى مكافحة التضخم و الحد من عجز ميزان المدفوعات .و أهم الإجراءات التي يجب تنفيذها بهذا الخصوص هي الحد من عجز موازنة الدولة عن طريق زيادة الضرائب ،وإلغاء الدعم السلعي وزيادة أسعار بيع منتجات القطاع العام ،وغير ذلك . إلا أن الهدف الحقيقي الذي يريده الصندوق تحت هذا البند هو إجراء تمويل تدريجي للموارد الاقتصادية لصالح القطاع الخاص باعتباره هو القطاع الأكفأ في قيادة عملية التنمية حسب وجهة نظر الصندوق .
2 – جانب زيادة العرض:و يقصد به الإجراءات التي تكفل ارتفاع معدل النمو الاقتصادي ،ونمو حجم السلع المعدة للتصدير أو المنتجة كبديل للواردات .بعبارة أكثر وضوحا : إن ما يريد أن يصل إليه الصندوق وفق هذا البرنامج يتمثل في قضيتين رئيسيتين هما :
- الأسعار المحلية : انطلاقا من ضرورة تغيير سياسات التسعير و محاولة الاقتراب من النظام غير المقيد بقوى العرض و الطلب ،
وعلى الرغم من أهمية نظام التسعير و تأثيره على الموارد إلا أن فاعليته في زيادة العرض محل تساؤل فهو سيقتصر على الاستخدامات ذات الأسعار المرتفعة .
- سعر الصرف و المعاملات الخارجية : فهو يصر على ضرورة إجراء تخفيض سعر الصرف للعملة المحلية و إلغاء القيود المفروضة على المعاملات الخارجية للوصول إلى نظام تجارة خارجي يتميز بانفتاح أكبر على العالم الخارجي ، لكن الواقع يثبت انه ليس من المتوقع أن يؤدي تخفيض سعر الصرف و ما يتبعه من تخفيض للأسعار الصادرات إلى زيادة حجم و قيمة صادرات هذه البلدان لضعف مرونة الطلب الداخلي على الواردات و عدم وجود إنتاج محلي بديل .
و لكن عمليا إذا نظرنا لهذا الأمر من الناحية الاقتصادية العالمية فإن برنامج الصندوق هذا يلزم كل دولة على حدا بتخفيض وارداتها من اجل تامين فائض تجاري ،ولكن إذا التزمت جميع الدول المدينة بذلك و عددها في تزايد مستمر فإن صادراتها ستنخفض آليا بنفس نسبة تخفيض الواردات مما يهدد الاقتصاد الدولي بالركود . و هذا يعني أن النتيجة الحقيقية لبرنامج صندوق النقد الدولي ستكون تخفيض معدلات النمو في البلدان التي تطبق وصفته و تردي الأوضاع الاجتماعية لشعوبها ، و هذا ما لا نريده لان مشكلة المديونية تتطلب حلولا أعمق من مجرد العمل على توازن ميزان المدفوعات ،وهو ما أثبته الواقع الاقتصادي العالمي حيث فشلت جميع محاولات الصندوق في معالجة الأزمات التي كانت تواجه العديد من الدول .
و أمام هذا السجل الحافل بالإخفاقات أصبحت مصداقية النظام النقدي العالمي الذي يحرسه صندوق النقد الدولي مثار للتساؤلات العديدة حول مشروعية بقاء هذه المؤسسات على حالها أم لا .
و حول ذلك كتبت صحيفة الايكونومست " إن العلاج الذي يضعه الصندوق في كل مكان أصبح يشكل عقبة في وجه الإنتاج " و قد طرحت هذه الصحيفة مثال على ذلك " فالأمة الأسيوية الحالية لم تأتي نتيجة تضخم قوي أو انهيار ميزاني و إنما أتت نتيجة انتهاج نظام مالي عديم الجدوى " .
فصندوق النقد ينطلق في برامجه هذه من أن البلدان المدينة هي مجرد توابع عليها أن تتكيف مع معطيات الاقتصاد الرأسمالي المعاصر ومصالحه دون أن يكون من حقها أن تكيف هذا الاقتصاد لمصالحها ،
و حتى عندما يتحرك الصندوق لمعالجة أزمة ما فهو لا يتحرك إلا بعد وقوع الكارثة أي أنه لا يتحرك أو يبذل أية جهود لمنع حدوث الكارثة . و المساعدات التي يقدمها أي القروض العاجلة لهذه الدول لتدفع بها فوائد ديونها الخارجية تفوح منها رائحة الثمن الفاسد الذي دفعته بلدان نامية أخرى حين هبت عليها عواصف الأزمات الاقتصادية .
فالهيمنة الأمريكية و الأوروبية على الصندوق و مجموعة البنك الدولي تتجلى باستغلال حاجة البلدان الأخرى للقروض ،وفرض الشروط التي تمكنها من السيطرة عليها من خلال الحصة الكبيرة التي تمول بها الصندوق إضافة إلى مشاركتها أصلا في توجيه فلسفة الصندوق و البنك و صياغة آلية عملهما . فالقوة التصويتية تقوم على أساس مقدار الحصة المالية التي تساهم فيها الدولة ، و هذا يعني أن الدولة القوية اقتصاديا و سياسيا هي التي سيكون لها المساهمة الأكبر و بالتالي القوة التصويتية الأكبر و بالتالي ستفرض الشروط التي تريد .
الآثار السياسية والاقتصادية للديون العربية
وقع العديد من البلدان النامية ومن بينها الدول العربية في فخ المديونية الخارجية وبلغ حجمها مستويات حرجة باتت تؤثر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لهذه الدول.
والتساؤل الذي يطرح نفسه الآن وبإلحاح هو: هل ساعدت هذه الأموال الدول النامية ومنها الدول العربية على تحقيق التنمية المنشودة؟ وما هي انعكاسات المديونية الخارجية على مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول العربية المدينة؟ وإلى أي حد أثرت أزمة المديونية الخارجية على القرار السياسي العربي؟.
انعكاسات المديونية الخارجية على الخطط الإنمائية
لعل من المفارقات أنه في الوقت الذي تكونت فيه العائدات النفطية في المنطقة العربية بكميات كبيرة لا سابق لها (ارتفاع أسعار النفط في السبعينات), شهدت الفترة نفسها تصاعد حجم الدين الخارجي بمعدلات لم يسبق لها مثيل أيضا.
ولم تقتصر عمليات الاستدانة على الدول العربية غير النفطية فحسب، بل تفاقم حجم مديونية الدول النفطية كذلك. وقد رافق ذلك تصاعد في حجم مدفوعات خدمة الدين الخارجي في جميع الأقطار العربية (غير النفطية خصوصا) وأصبحت تلتهم جانبا كبيرا من حصيلة الصادرات من السلع والخدمات.
وشكل هذا قيدا أوحملا ثقيلا على خطط التنمية المستقبلية، نظرا لابتلاع جانب مهم من النقد الأجنبي في خدمة الدين الخارجي.
ويمكن تشخيص آثار المديونية الخارجية على الخطط الإنمائية من خلال تحليل آثارها على الادخار المحلي والقدرة الاستيرادية ومعدلات التضخم.
1-على الادخار المحلي
إن العلاقة بين رؤوس الأموال الأجنبية والادخار المحلي أفرزت أطروحتين: أطروحة التكامل بين الموارد المالية المحلية والأجنبية وأطروحة الإحلال بين الصنفين.
التكامل بين الموارد المالية المحلية والأجنبية
فيرى أنصار الفرضية الأولى أن رؤوس الأموال الأجنبية إذا ما استغلت استغلالا اقتصاديا جيدا تؤدي إلى زيادة الناتج القومي وارتفاع مستويات الدخل وبالتالي ترتفع معدلات الادخار وذلك نتيجة لسد النقص في الموارد المالية اللازمة لتمويل المشاريع الاستثمارية وهوالهدف الذي توخته الدول النامية من وراء اقتراضها.
الإحلال بين الصنفين
في حين يرى أنصار الفرضية الثانية أن هذه الأموال لا تستغل الاستغلال الأمثل لها وغالبا ما تتجه نحو تمويل الاستهلاك خصوصا للسلع المستوردة ونسبة قليلة تتجه إلى الاستثمار في مشاريع تتميز بانخفاض مردودها, مما يقلل من فرص خلق فوائض مالية جديدة ورفع كفاءة الاقتصاد ونموه وهوما يؤثر سلبا على إمكانات الادخار المحلي.
وإذا نظرنا إلى أثر الأموال الأجنبية بصورة عامة, والديون على وجه الخصوص, على مستويات الادخار في الدول النامية من خلال الدراسات الحديثة التي تناولت هذا الموضوع نجد أن هذا التأثير يختلف من دراسة إلى أخرى تبعا لعينة الدول المدروسة وطرق التقدير المستخدمة بالإضافة إلى اختيار فترة الدراسة.
وتشير أغلب الدراسات في هذا المجال إلى أثر سلبي -مباشر أوغير مباشر- للديون الخارجية على الادخار المحلي في معظم الدول النامية.
2-على الطاقة الاستيرادية
إذا استطاعت الدولة توفير القدر الكافي من المال اللازم لاستيراد الآلات والمعدات الإنتاجية الضرورية للتوسع الاقتصادي, استطاعت تنفيذ مخططاتها الإنمائية دون ضغوط خارجية أوحدوث اختناقات تعوق طموح وتنفيذ هذه الخطط.
وهناك عدة عوامل تؤثر بشكل أوبآخر في المقدرة الاستيرادية منها: حجم وعائدات الصادرات وتكلفة السلع المستوردة وخدمة الديون الخارجية والتي تتمثل في مجموع الأقساط والفوائد التي تدفعها الدول المدينة خدمة لديونها وإعادة جدولتها.
وتؤثر هذه الأعباء سلبا على إمكانية تنمية الموارد المالية الذاتية بسبب استنزافها للحظ الأوفر من العملات الصعبة المتاحة للبلد.
3- على معدلات التضخم
إن ارتفاع اعتماد الدول النامية ومنها الدول العربية على القروض الخارجية أدى إلى تزايد معدلات التضخم في هذه الدول, لما تشكله هذه القروض والمديونية المترتبة من ضغط على القدرة التنافسية لصادرات الدول المدينة.
ويؤدي تخفيض قيمة العملة الوطنية -استجابة لضغوط الأطراف الدائنة- إلى تدهور القيم الحقيقية للمدخرات مما يضطر العديد من الأفراد إلى إيداع أموالهم في الخارج (أحد أهم أسباب ظاهرة هروب رؤوس الأموال إلى الخارج) خوفا من تآكلها.
وبصورة عامة فإن التأثير السلبي للديون الخارجية على القدرة المالية والاستيرادية للدول المدينة ومنها الدول العربية قد انعكس على عمليات الاستثمار المطلوبة لتحقيق أهداف النمو المتسارع الذي تتطلع إليه اقتصادات هذه الدول.
ويتمثل هذا التأثير السلبي في كون أعباء المديونية الخارجية تستحوذ على نسب عالية من الناتج المحلي الإجمالي وتشكل إنقاصا للموارد المالية التي كان من الممكن أن تتجه إلى الادخار والتوسع الاقتصادي.
كما أن ارتفاع خدمة الديون الخارجية الذي شهدته الدول العربية في السنوات الأخيرة يشكل عبئا على النقد الأجنبي المتاح لتمويل الواردات الاستثمارية.
ومن الطبيعي أن يواكب ارتفاع خدمة الديون ضغط على تمويل هذه الواردات مما اضطر بعض هذه الدول إلى تأجيل تنفيذ العديد من المشاريع الاستثمارية المبرمجة ضمن مخططات التنمية وإلى تخفيض معدلات الاستثمار المستهدفة مما يؤدي إلى تسريح العمال وتزايد البطالة وما إلى ذلك من انعكاسات على المجتمع.
إلا أنه من الضروري التذكير أن العيب لا يكمن في مسألة استيراد رأس المال الأجنبي وإنما الأهم هو طبيعة واستخدامات هذه الأموال.
لقد لعب رأس المال الأجنبي دورا أساسيا في تطوير الدول المتقدمة نظرا للاستغلال الأمثل لهذا العنصر مما ساعد على خلق فوائض مالية أخذت تصدرها إلى البلدان النامية. أما بالنسبة لمعظم الدول النامية ومن بينها الدول العربية فلم يلعب رأس المال الأجنبي الدور الذي كان يجب أن يلعبه في تنمية هذه الدول مما أوقعها في مديونية خانقة لها آثار اجتماعية وسياسية لا تقل خطورة عن الآثار الاقتصادية.
وقد أدى تخلف اقتصادات الدول النامية ومنها الأقطار العربية بصورة عامة وتفاقم حدة الديون الخارجية على وجه الخصوص إلى مزيد التبعية للدول المتقدمة الدائنة, التي أصبحت تتحكم في مسارات التنمية في الدول المدينة. وتأخذ هذه التبعية أشكالا وأنماطا مختلفة منها التبعية التجارية والمالية والتكنولوجية.
أشكال تبعية الاقتصاديات العربية بسبب الديون
أولاً: التبعية التجارية
ويقصد بها تحكم الطلب العالمي في معدلات نمو اقتصادات الدول النامية. ومرد ذلك أن قطاع التصدير يعتبر المصدر الأساسي للدخل في الدول النامية. كما أن عدم تنوع صادرات الدول النامية حتى من المواد الأولية, إذ كثيرا ما تتركز هذه الصادرات في مادة أولية واحدة أومجموعة محدودة منها, يعرض عمليات التنمية في البلدان المعنية للتذبذب من خلال تعرضها لتقلبات الظروف الاقتصادية العالمية. إن هذه التبعية التجارية التي تعاني منها الدول النامية قد نشأت في عهد الاستعمار وتطورت بعد الاستقلال السياسي وتعمقت بعد تفاقم الديون الخارجية, بفعل بعض العوامل الداخلية والخارجية المرتبطة بمتطلبات التنمية. وهذه المتطلبات هي التي دفعت بتلك الدول في مدار التبعية المالية.
ثانياً: التبعية المالية
ترجع هذه التبعية -سواء كانت سببا أونتيجة للمديونية الخارجية- إلى حاجة الدول النامية إلى مصادر لتمويل خططها الإنمائية. فالحاجة إلى رؤوس الأموال دفعت بالدول ذات الموارد المالية المحدودة إلى فتح المجال أمام رأس المال الأجنبي بأشكاله المختلفة. وحتى الدول النامية ذات الفوائض المالية -ومنها الأقطار العربية النفطية- تعاني من نوع آخر من التبعية المالية للدول المتقدمة، ألا وهو اندماج مؤسساتها المالية في النظام الرأسمالي الدولي مما قد يجلب لها مخاطر عدة منها احتمال التجميد من قبل الحكومات الغربية كما حصل مع الودائع الليبية والعراقية.
ثالثاً: التبعية التكنولوجية
ويقصد بها النقل الأفقي للتكنولوجيا أي استيرادها من الدول المتقدمة بدل العمل على تنميتها وطنيا أوقوميا أوإقليميا. وقد اختار معظم الدول النامية اكتساب هذه التكنولوجيا عن طريق استيرادها جاهزة باعتقاد أن ذلك سيمكنها من اقتصاد الوقت والنفقـات. لكن المشكلة تكمن في كون هذه التقنية لا تتلاءم مع الطبيعة الإنتاجية للدول النامية مما عمق من تبعيتها للدول المنتجة لهذه التكنولوجيا.
إن بلدان العالم الثالث المديـنة, ومنها الدول العربية, تتعرض "لمؤامرة مالية دولية" بعد أن تم توريطها في مديونية مفرطة. وتأخذ هذه المؤامرة شكلا خطيرا تمثل في احتلال المستثمرين الأجانب للأصول الإنتاجية الإستراتيجية التي بنتها هذه الدول عبر جهودها الإنمائية المضنية خلال عقود من الزمن على نحو يعيد لها السيطرة الأجنبية.
فبعد وصول أزمة الديون إلى مستوى حرج وبعد التعثر في سداد خدمتها ظهر اتجاه بين صفوف الدائنين يدعو إلى مبادلة الدين الخارجي ببعض الأصول الإنتاجية في الدول المدينة, أي مقايضة الديون بحقوق ملكية في المشاريع التي تملكها الدولة في هذه البلدان. وهواتجاه يؤسس نظرته إلى مشكلة الديون في تلك الدول على أنها مشكلة إفلاس وليست نقص سيولة.
وقد لقي هذا الطرح صدى واسعا في نفوس الدائنين لأنه يحسن من محافظهم المالية ويحول الديون المشكوك في تحصيلها (لأنها حالة إفلاس) إلى أصول إنتاجية ذات عوائد مستمرة وهنا يتحول الدائنون إلى مستثمرين وهوما يؤدي إلى إخضاع السياسات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان المدينة إلى مزيد من الرقابة الخارجية.
الآثار الاجتماعية للديون الخارجية
إن الآثار السلبية للديون الخارجية لا تقتصر على الجوانب الاقتصادية فقط في الدول النامية وإنما تتعداها إلى الأبعاد الاجتماعية ومع تنامي ظاهرة العولمة بشكل عام وتفاقم أزمة المديونية بشكل خاص, كان من الطبيعي أن تتأثر الدول العربية بهذا الواقع من خلال آلـيات مختلفة.
فالدول العربية التي كانت تتبنى فلسفة اقتصادية تقوم بالأساس على تحكم الدولة في إدارة النشاطات الاقتصادية من قبل, نجدها تتحول تحولا جذريا, من خلال تطبيق برامج التثبيت والإصلاح الهيكلي, متنازلة بذلك عن جزء كبير من مهمتها الاجتماعية. وتستند هذه البرامج إلى إعطاء قوى السوق الدور البارز في الحياة الاقتصادية وتحرير المعاملات الاقتصادية والمالية مع العالم الخارجي.
ومن المنطقي أن يكون لمثل هذه الـتحولات الجذرية أثرها على المجتمع. وفي تحليلنا للآثار الاجتماعية للمديونية الخارجية سوف نركز على التأثيرات المترتبة على أسواق العمل والتشغيل في الدول العربية المدينة وذلك استنادا إلى أن الكسب من العمل يمثل المصدر الرئيسي لمداخيل غالبية الأفراد وأن حرمانها من هذا الحق ينتج عنه استفحال البطالة بأنواعها وتفاقم حدة الفقر وإحداث المزيد من الاختلالات في توزيع الدخل وتعاظم الهوة بين طبقات المجتمع.
أن أغلب الدول النامية ومنها الدول العربية التي لجأت إلى تطبيق برامج التثبيت والإصلاح الهيكلي تحت وطأة ارتفاع مديونيتها الخارجية وبمباركة من المؤسسات الدولية الدائنة (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونادي باريس ونادي لندن...), عانت من معدلات بطالة مرتفعة أصبحت تهدد استقرارها الاجتماعي والسياسي.
وترجع هذه المعدلات إلى عدة عوامل منها على سبيل المثال: تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي في هذه الدول نتيجة لتطبيق سياسات انكماشية تتضمنها هذه البرامج خاصة في المراحل الأولى لها, مما يؤدي إلى خفض الطلب المحلي ويزيد من حدة الركود الاقتصادي الذي يؤدي بدوره إلى تراجع الطلب على العمل.
يضاف إلى ذلك تأثير عمليات خصخصة المنشآت العامة وضرورة تقليص العمالة بها قبل انتقالها إلى الملكية الخاصة, وكذلك تراجع الحكومات عن خلق فرص جديدة للعمل بحجة الضغط على الإنفاق العام وتقليص عجز الموازنات العامة, إلى غير ذلك من الإجراءات المرافقة لبرامج الإصلاح الاقتصادي هذه التي أصبحت شرطا ضروريا لطلب إعادة جدولة الديون أوالحصول على قروض جديدة تفرضه الجهات المانحة.
وعلى الرغم من شح ودقة البيانات المتعلقة بالتشغيل والبطالة في الدول العربية فإن القدر المتوافر منها يشير إلى اتجاه تصاعدي واضح للبطالة. وتراوحت معدلات البطالة في الدول العربية ما بين 15% و20 % خلال التسعينات وهي الحقبة التي شهدت ارتفاع حجم الدين الخارجي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه المعدلات المرتفعة للبطالة لا ترجع بالكامل إلى أزمة الدين الخارجي وإنما تتفاعل معها جملة من العوامل الأخرى تتعلق بعدم قدرة الاقتصاديات العربية على خلق فرص للعمل تتناسب مع حجم قوة العمل العربية التي تطورت في الأعوام الأخيرة.
ويمكن القول أن المحصلة العامة لتفاعل أزمة الديون الخارجية والنتائج المترتبة عليها, قد أثرت سلبا على مستويات المعيشة لغالبية الدول المدينة وأدت إلى تفاقم الفقر في هذه الدول (تقرير البنك الدولي سنة 2000, ص 15).
وقد تبنى البنك الدولي في السنوات الأخيرة سياسة التصدي لمسألة الفقر وأوضح أنه يجب أن يكون من بين مكونات السياسة العامة لأي دولة ترغب في تخفيف عبء ديونها أوالحصول عل قروض جديدة, إجراءات تخفف وطأة الفقر في المجتمع.
وعموما فإن أزمة الديون الخارجية في الثمانينات عولجت بوصفات تنطوي على العديد من الإجراءات المجحفة بالدول النامية. وكثيرا ما تفرض الأطراف الدائنة والمانحة للقروض إتباع سياسات اقتصادية ترتكز على حزمة من الإجراءات التي تؤثر سلبيا على المجتمع مثل: تخفيض قيمة العملة المحلية -وما ينجر عن ذلك من تسارع لمعدلات التضخم الذي يعتبر العدوالأول للفقراء- وإلغاء الرسوم والضرائب على السلع المستوردة وتخفيض الإنفاق العام ورفع الدعم عن السلع والخصخصة وكلها سياسات تؤدي إلى زيادة تدخل الدول الدائنة وشركاتها المتعددة الجنسية وتغلغلها في اقتصادات الدول المدينة والتحكم فيها.
التداعيات السياسية للمديونية الخارجية
إن خطورة تفاقم الديون الخارجية لا تقف عند الحدود الاقتصادية والاجتماعية بل إنها تتجاوز إلى تعريض حرية صانع القرار السياسي إلى مزيد الضغوطات والتدخل الأجنبي. وفي ظل عالم يتميز بهيمنة الدول المتقدمة ومؤسساتها المالية الدولية ومع تنامي ظاهرة العولمة بكافة أوجهها -خاصة الوجه المالي- فإنه من المتوقع تسارع عملقة رأس المال واحتواء الشركات المتعددة الجنسية المحركة لهذا المال لمصير الخطط الإنمائية وتعميق المشاكل الاقتصادية والاجتماعية إلا أن خطورة هذا النفوذ لن تقف عند البعدين الاقتصادي والاجتماعي بل ستتعدى إلى البعد السياسي. فيرى البعض أن هذه الأموال والشركات الكبرى المحركة لها قادرة على التأثير في سيادة الدول وتلعب دور الشرطي الذي يلزم الدول المضيفة بتوجهات معينة في سياساتها العامة وهوما يشكل مساسا للسيادة الوطنية واستقلال القرار السياسي(محمد الأطرش, ص 414).
وتتمثل الآثار المصاحبة لدخول رؤوس الأموال الأجنبية والشركات الدافعة لها في اختراق النظام السياسي والتأثير عليه بما يتلاءم مع مصالحها. فقد كشفت التحقيقات الجنائية أن هذه الشركات تمول الأحزاب المتنافسة في الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا مثلا حتى لا تأتي نتائج الانتخابات بأي أثر سلبي يمكن أن يضايق مصالحها فما بالك بالدول النامية وبهذا يتحول السياسيون من رجال دولة (Statesmen) إلى بياعين
(Salesmen) (إسماعيل صبري عبد الله, ص 378) بالإضافة إلى شراء ذمم الكثير من أعضاء البرلمان وحتى الحكومة.
ونشير إلى أن أزمة الديون الخارجية وما رافقها من تعاظم لدور الشركات المتعددة الجنسية والمستثمرين الخواص الدوليين أوجد واقعا جديدا على حكامنا التعامل معه. ويتجلى هذا الواقع في تراجع مكانة العلاقات بين الحكومات لصالح هذه الشركات والمستثمرين. وهوما يحتم تعزيز قدرتنا التفاوضية كعرب مع هذه الجهات والبحث عن اللغة التي تفهمها هذه الأطراف بعيدا عن العواطف والصيغ الفارغة. وعناصر هذه اللغة هي حجم السوق المحلية والأداء الاقتصادي والمالي الجيد والمستقر ورأس المال البشري المؤهل بالإضافة الاستقرار السياسي والتشريعات والنظم المحكمة.
بعد تفاقم أزمة الديون وتكريس العولمة وخاصة المالية لهيمنة الدول المتقدمة, تجسدت سياسة ازدواجية المعايير كأبرز سمات العولمة المعاصرة والنظام العالمي الجديد. حيث أصبح هذا النظام يبيح لدول معينة أشياء ويحرمها ذاتها عن دول أخرى لا لشيء إلا لاختلال الموازين واختلاف المصالح الإستراتيجية مع الدول المهيمنة أوالقادرة على الهيمنة (خلاف خلف الشاذلي, ص 64).
وفي ظل هذا الظرف الدولي الراهن, تصبح الدول العربية مطالبة أكثر من أي وقت مضى ببلورة وتجسيد رؤية متكاملة حول التحولات الدولية الراهنة, تمكنها من احتلال موقعا أفضل يخولها مواجهة تداعيات هذه التحولات.
1. يتضح من العرض العام للمديونية الخارجية للدول العربية المدينة أن أعباء خدمة هذه الديون قد نمت في السنوات الأخيرة بمعدلات مرتفعة وبلغت حدا حرجا. وأصبح مأزق الديون الخارجية للدول النامية, ومنها الدول العربية, بصورة عامة يستدعي حلا عاجلا قبل بلوغ مستويات يصعب معها حتى التفكير في تحقيق معدلات نمو اقتصادية.
2. وإذا كان البعض يرى عدم الإفراط في تهويل حدة الديون الخارجية للدول العربية المقترضة, إلا أن ذلك لا يستوجب بالضرورة تحجيمها أوالتقليل من حدتها وإنما ضرورة النظر إليها باعتبارها تحد لا بد من تشخيصه ومواجهة آثاره المحتملة.
3. إن أخطر آثار المديونية الخارجية يتمثل في شلل جهود التنمية وما يترتب عليه من انعكاسات اجتماعية وسياسية في الدول المدينة وفي تعميق تبعيتها للجهات الدائنة وإلى تعرضها إلى نوع من "الإرهاب المالي الدولي "الذي يستهدف إخضاع القرارات الاقتصادية والسياسية لهذه الدول لنوع صارم من الرقابة والتدخل في الشؤون الداخلية تحت وطأة تفاقم مديونيتها. ويبدوذلك واضحا في حالات الدول التي تضطر إلى طلب إعادة جدولة ديونها الخارجية أوالحصول على قروض جديدة, حيث تفرض الأطراف المانحة داخل نادي باريس ونادي لندن ومعهم في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي, سياسات وبرامج تعمق من تبعية الدول المدينة لرأس المال الدولي.
4. إن الأزمات الاقتصادية والمالية التي تواجهها الدول النامية لا ترجع بالكامل إلى الأموال الخارجية وإنما مردها في الواقع هو طريقة الدول المقترضة في إدارة تلك الأموال بشكل خاص وعمليات التنمية الاقتصادية بشكل عام. كما أن اللجوء إلى الاقتراض ليس بالضرورة سلبيا أوإيجابيا ويتوقف ذلك على النتائج المترتبة على هذا الاقتراض وتحدد طبيعة ومصادر وشروط واستخدامات الأموال الأجنبية مستوى تأثيرها في النمو الاقتصادي
5. أثبت العديد من الدراسات والبحوث أن الدول التي تعرضت لأزمات مديونية حادة قد اتجهت الأموال المقترضة فيها لتمويل الاستهلاك والاستثمارات الغير منتجة.
6. حل مشكلة الديون الخارجية للدول النامية والتخفيف من وطأتها, لخلق نوع من التوازن في الداخل وبين الدول -أصبح ضروريا للتوازن الاقتصادي العالمي- يتطلب توافر جهود كافة الأطراف وبالدرجة الأولى الأطراف الدائنة وجدية إرادتها في تحقيق ذلك.
7. أصبح من الضروري صياغة سياسات جديدة تؤسس المناخ الملائم للدول العربية الدائنة للتصدي للانعكاسات السلبية لهذه التحولات من فقر وتهميش وتبعية وارتهان للمؤسسات المالية الدولية ترتكز على ثلاثة محاور عامة:
• محور اقتصادي:
يتعلق بطبيعة التنمية الاقتصادية المستهدفة وآليات تحقيقها وأنماط توزيع ثمارها, حيث يجب أن تكون هذه التنمية مرتكزة على القدرات الذاتية العربية من خلال التعجيل بالتكامل والاندماج الاقتصادي بين الدول العربية وتفعيل السوق العربية المشتركة وتحديث وتطوير المؤسسات المالية العربية المحلية من أجل ضمان توفير التمويل الذاتي العربي للتنمية وجلب رؤوس الأموال العربية الهاربة.
• محور اجتماعي:
يستند إلى التركيز على التنمية البشرية بمفهومها الواسع من تعليم وصحة وبحث وتطوير وضمان لحقوق الإنسان.
• محور سياسي:
يؤسس لقواعد ديموقراطية ترتكز على المشاركة الشعبية الفاعلة في القرارات التنموية وتدعيم آليات الرقابة ومكافحة الرشوة والفساد داخل القطاعات المختلفة.
ونختم بإعادة التأكيد على أن العامل الأهم في تجسيد محاولات التكامل الاقتصادي العربي يرتبط أساسا بالإرادة السياسية للقادة العرب وفي غياب هذه الإرادة يصعب أن تخطو الدول العربية جديا نحو طريق الوحدة الاقتصادية والتي أصبحت الخيار الأهم في مواجهة تداعيات العولمة ومخاطرها