فكرة الاسلوب

يبدو أن فكرة الأسلوب ملازمة لفكرة النوع الأدبي ن، إذا أن لكل نوع أشكالا تعبيرية ضرورية ومحددة ، وهي لا تقتصر على تكوينه فحسب ن بل تشمل أيضا ، مفرداته ونحوه وأشكاله البلاغية ، وأدواته الفنية التصويرية ، وإذا كانت الدراسات الغربية قد تطرقت إلى أسلوبية الأنواع الأدبية ، ورسمت لها ملامح واضحة ، فإننا مدعوون لدراسة الخصائص الأسلوبية الداخلية لجميع الأنواع الأدبية ، من خلال إمكانية التعبير العربي.
إن الأدب – مهما كان نوعه- يستخدم اللغة وسيلة لتحقيق أهدافه، فالانطلاق من اللغة، ترصد استعمالها الخاص في النوع الأدبي، يساعد كثيرا على توضيح أسلوب كل نوع.
هناك بحوث أسلوبية كثيرة ظهرت في العصر الحديث، ولكنها أقيمت على لغات أجنبية قد لا تلتقي مع طبيعة اللغة العربية، ثم مع الأدب العربي لهذا فإننا معنيون بما يمكن توظيفه واستثماره في دراسة الأسلوب العربي.
ميادين الدراسة الأسلوبية :
1- الدراسة الأسلوبية الوصفية : تعني بالظواهر اللغوية العامة في كثير من اللغات ، كالشعر والنثر والفرق بينهما، فالشعر ظاهرة لغوية تتسم بعنصري الموسيقى والصورة، والنثر يقوم على الاسترسال الذي يمكن الكاتب من الاندفاع في التعبير عن أفكاره.
- ومثلما في الاعتماد على الوصف – الدراسات الأسلوبية التي تتناول لغة واحدة، ومنها دراسة الأسلوب العربي الذي يتجلى في مستويات ثلاث:
مستوى الأسلوب القرآني ، ومستوى أسلوب الشعر ، ومستوى أسلوب النثر. ولكن مستوى ملامح محددة وسمات. تجعل لكل منها كيانا مستقلا، ولكنها مجتمعة تنضوي تحت الأسلوب العربي.
الدراسات الأسلوبية الوظيفية:
وتتميز الدراسات (أ. ب . جـ) كلها بأنها ترتكز على تحليل الوظيفة التي تقوم بها الظاهرة الأسلوبية بالنسبة إلى النوع الأدبي ، أو الأديب ، أو النص ، في حين أن الدراسات الوصفية تحدد الظاهرة الأسلوبية ، وتسرد إمكانيتها التعبيرية فحسب.
يمكن التفريق هنا بين ثلاثة مستويات وظيفية:
أ‌- الدراسات الأسلوبية التي تعني بنوع أدبي واحد، كالشعر، أو الرواية، أو المقالة.
ب‌- الدراسات الأسلوبية التي تقتصر على دراسة أسلوب أديب واحد.
جـ - الدراسات الأسلوبية التي تقوم على دراسة قصيدة واحدة من شعر شاعر، أو رواية واحدة من روايات روائي.
أ‌- الأسلوبية التعبيرية:
وتعرف بأسلوبية ( بالي) تلميذ (دي سوسير) وقد عرفها بأنها تدرس وقائع التعبير اللغوي من ناحية مضامينها الوجدانية (العاطفية) إن أسلوبية التعبير تهدف إلى دراسة القيم التعبيرية (اللغوية) الكامنة في الكلام ن أو المثابرة فيه ، وهي تختلف عن الدرس البلاغي القديم في أنها لا تقف عند الأنماط التقليدية ، وتقف على نحو خاص أمام الكلام المنطوق، لتلاحظ العلاقة القائمة بين محتوى الوجداني (المضمون العاطفي ) والتركيب الذي جاء عليه الكلام.
فإذا كان موقف الإشفاق ينتج عبارة مثل: (يا للمسكين!) فإن هناك علاقة أسلوبية يمكن أن تقوم من خلال التحليل بين الشفقة والتعجب والإيجار. وكذلك يمكن اكتشاف المحتوى الوجداني للتصغير في عبارة (يا بني) من خلال إثارته للرقة ، أو الضعف وكذلك يمكن تبين المحتوى الوجداني لفعل الأمر من خلال السياق والمتعلقات المحيطة به ، فهناك فرق في
المحتوى العاطفي بين:
افعل هذا.
افعل لي هذا رجاء.
أرحني وافعل هذا.
فمع أنها جميعا عبرت عن المعنى بصيغة الأمر الموجهة إلى المخاطب المذكر، فإن المتعلقات تشف عن محتويات عاطفية مختلفة.
اهتمام (بالي) بالمحتوى العاطفي جعله لا يهتم بالجوانب الجمالية ، وتركيزه على الكلام المنطوق صرفه عن الاهتمام بالتطبيقات بالأسلوب الأدبي ، وتصنيفه للإمكانات الكامنة ، أو المثابرة في اللغة شده إلى دراسة القوة التعبيرية في لغة الجماعة ، دون الاهتمام بالتطبيقات الفردية لها، وكذلك وضعه منهجه هذا على رأس مدرسة الأسلوبية الوصفية ، من حيث طرحه حول التعبير سؤالا محددا هو (كيف) وعد م اهتمامه بأسئلة أخرى تتصل بجذور التعبير أو مصادره.
أحدثت كتابات (بالي) في الأسلوبية التعبيرية الوصفية تأثيرات واسعة منذ أن بدأها سنة 1905 ولا سيما في المدارس الأسلوبية التي جاءت بعده ، ومن هؤلاء الشكلانيون الروس في العشرينات من هذه القرن ، ثم انتقل أثره إلى أروبا مع انتقال العلماء من روسيا إلى أنحاء أوربا مثل رومان جاكسون (ROMAN JAKOBSON )
الذي ولد بموسكو سنة 1896 وانتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتودوروف TEVETAN TODOROV البلغاري المولود سنة 1939 وكانت قيمة تأثير المنهج الوصفي في اللجوء إلى الأسلوبية الإحصائية .
ب‌- الأسلوبية البنيوية:
هي أكثر المذاهب الأسلوبية شيوعا الآن ، وعلى نحو خاص فيما يترجم إلى العربية ، أو يكتب فيها عن الأسلوبية الحديثة ن وتعد امتدادا لأسلوبية (بالي) في الوصفية ، وامتدادا لآراء (سوسير) التي قامت على التفرقة بين اللغة والكلام وبين مستوى اللغة ومستوى النص . والبلاغة التقليدية لم تكن تعهد هذا التفريق.
ولعل من أشهر البنيويين (رومان جاكوبسون ) الذي اشتهر بترسيمه الرسالة الاتصالية وتحليله من خلالها للوظيفة الشعرية في اللغة ن وتصور خريطة تجسيدية توضح المراحل التي تمر بها ( الرسالة) بين المرسل (المتكلم والمؤلف) والمستقبل (السامع أو القارئ) .
وهذه الخريطة يمكن أن ترسم على الشكل الأتي:



المرجع (المحتوى )


المرسل المستقبل



الشفرة ( اللغة)

لقد زواجت البنيوية بين الدراسات اللغوية والنقدية وأخصبت الفرعين في آن واحد.
2- الأسلوبية الأدبية:
تعد الأسلوبية الأدبية أخصب ما تفرع عن فكرة الأسلوبية التكوينية، وأكثره تأثيرا في تاريخ علم الأسلوب في القرن العشرين. ولقد نبه ( كارل فوسلير) وكان من رواد الأسلوبية الأدبية ، على ضرورة الاهتمام بالتحليل اللغوي، بالقدر نفسه الذي يهتم بتحليل الاتجاهات السياسية والاجتماعية والدينية لبيئة النص. وجاء النمساوي (ليوسبيتزر) وحول هذا الاتجاه إلى نظرية متكاملة في النقد اللغوي ، أو الأسلوبية الأدبية. وترى الأسلوبية البنيوية :
1- المنابع الحقيقية للظاهرة الأسلوبية ليست فقط في اللغة ونمطيتها وإنما أيضا في وظائفها .
2- لا يمكن تعريف الأسلوب خارجا عن الخطاب اللغوي كرسالة أي كنص يقوم بوظائف إبلاغية في الاتصال بالناس وحمل المقاصد إليهم .
3- النص يؤلف بنية يستمد منها الخطاب مردوده الأسلوبي .
4- تهتم الأسلوبية البنيوية بعلاقات التكامل والتناقض بين الوحدات اللغوية المكونة للنص وبالدلالات والإيحات .
5- للقراءة الأسلوبية مرحلتان :
أ‌- مرحلة الوصف (اكتشاف الظواهر وتعينها ).
ب‌- مرحلة التأويل ( الغوص في النص وفك عناصره ).
الأسلوبية الاحصائية:
من خلال استفادتها من المعايير الاحصائية ، إن تكشف الحقيقة القائلة : إن الأسلوب عبارة عن مجموعة من اختبارات المؤلف لذا يعد الإحصاء معيارا موضوعيا ، يتيح تشخيص الأساليب، وتمييز الفروق بينهما.
تتجلى أهمية الإحصاء هنا، في قدرته على التمييز بين السمات اللغوية التي يمكن جعلها خواص أسلوبية، والسمات التي ترد في النص ورودا عشوائيا.

thanks you my sister