وهل يصومـ القلب ..؟!
صيام القلب يكون بالإعراض عن الهمم الدنيئة والأفكار الدنيوية ,
وبكفه عما سوى الله بالكلية .
وكيف يكون الفطر من هذا الصوم ؟
يكون بالفكر فيما سوى الله والدار الآخرة , وانشغال القلب بالدنيا إلا دنيا تراد للآخرة .
::::
وهل لذلك أثر من الكتاب والسنة ؟
قال تعالى : ( يوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) ( الشعراء : 88 , 89 )
فعلق النجاة يوم القيامة على سلامة القلوب و إذا سلمت القلوب
سلمت الجوارح , واستقامت على طاعة الله , واجتنبت معصيته ونواهيه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب )
رواه البخاري و مسلم
فأساس الصلاح والفساد هو صلاح القلوب وفسادها
ولذلك كان إصلاح القلوب وتهذيبها وتطهيرها من أعظم أعمال
الطاعة التي غفل عنها كثير من الناس .
قال أبو تراب النخشبي :
ليس من العبادات شئ أنفع من إصلاح خواطر القلوب .
وقال أحمد بن خضروية :
القلوب أوعية،فإذا امتلأت من الحق،أظهرت زيادة أنوارها على الجوارح،
و إذا امتلأت من الباطل أظهرت زيادة ظلمتها علىالجوارح .
:::
" صفة القلب الصائمـ "
والقلب الصائم : قلب متحرر من حب الدنيا والتعلق بشهواتها وملذاتها
طلباً للنعيم الأعلى والراحة الدائمة .
والقلب الصائم : قلب مشغول بالفكر في الآخرة , والقدوم على الله عز وجل .
قال حادث بن أسد : بلية العبد تعطيل القلب عن فكره في الآخرة
حينئذ تحدث الغفلة في القلب .
والقلب الصائم : قلب سالم من الأحقاد ، والضغائن لا يضمر لأحد من المسلمين غلاً ولا شرًا ولا حسدًا
بل يعفو ويصفح ويغفر ويتسامح , ويحتمل أذى الناس وجهلهم .
وقد سئل ابراهيم بن الحسن عن سلامة القلب فقال : " العزلة ،
والصمت وترك استماع خوض الناس، ولا يعقد القلب على ذنب، ويهب لمن ظلمة حق .
والقلب الصائم : قلب مخلص لا يريد غير وجه الله , ولا يطلب إلا رضى الله
ولا يلتذ بغير محبة الله وذكرة وشكره وحسن عبادته.
قال يحيى بن معاذ : النسك هو العناية بالسرائر ،
وإخراج ما سوى الله عز وجل من القلب .
وقال ضيعم : إن حبه تعالى شغل قلوب محبية عن التلذذ بمحبة غيرة فليس لهم في الدنيا مع حبه لذة تداني محبتة سبحانه
ولا يأملون في الآخرة من كرامة , الثواب أكبر عندهم من النظر إلى وجه محبوبهم .
قال يحيى بن معاذ :
سقم الجسد بالأوجاع وسقم القلوب بالذنوب فكما لا يجد الجسد لذة الطعام
عند سقمة لا يجد القلب حلاوة العبادة مع الذنوب .
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إمدانها .
وترد الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عيانها .
وشكى ذلك رجل إلى مالك بن دينار فقال :
أدمن الصيام , فإن وجدت قسوة فأطل القيام , فإن وجدت قسوة فأقل الطعام .
وسئل ابن المبارك : ما دواء القلب ؟ فقال : قلة الملاقاة .
وقال عبد الله بن خبيق :
خلق الله القلوب مساكن للذكر فصارت مساكن للشهوات
ولا يمحو الشهوات من القلوب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق .
وقال إبراهيم الخواص :
دواء القلوب خمسة أشياء : قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل
والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين .
قال ابن رجب :
" من يصوم في الدنيا عما سوى الله فيحفظ الرأس وما حوى ويحفظ البطن
وما وعى ويذكرالموت والبلى ويريد الآخرة فيترك زينة الدنيا،
فهذا عيد فطرة يوم لقاء ربه وفرحة برؤيته .
كما قيل :
أهل الخصوص من الصوام صومهم صون اللسان عن البهتان والكذب .
والعارفون وأهل الأنس صومهم صون القلب عن الأغيار والحجب .