الانفجار العظيم *بين الحقيقة والخيال

«الانفجار العظيم» Big Bang من المصطلحات العلمية الحديثة، التي تفسر نظرية تشكل الكون بصورته الراهنة.
وكان اول من جاء بفكرة «الانفجار العظيم» العالم الفيزيائي الاميركي جورج كاماو (1904 ــ 1968)، والذي خالف فيها رأي العلماء القائل ان الكون قد ولد هكذا منذ الازل، وقد حافظ على شكله هذا حتى الآن.
وتذهب نظريته الى ان للكون بداية محددة، تبدأ منذ «الانفجار العظيم» الذي احدث تغييرات عاصفة، ادت في نهاية المطاف الى اتخاذ الكون شكله الحالي.
وقد ساند نظرية كاماو هذه العالم الفيزيائي الشهير البرت اينشتاين، الذي تضمنت نظريته الكونية المعروفة بـ«النسبية» جزءا من مفاهيم كاماو الذي يفترض ان الشروط التي تحيط بشكل الكون، كما نراه اليوم قد تغيرت عما كانت عليه في الماضي السحيق، وسوف تختلف عنها في المستقبل.
وقد نبه في عام 1948 الى وجود اهم دليل على ذلك، وهو الموجات الاشعاعية الدقيقة، التي تسبح في الفضاء، والتي اعتبرها من بقايا مرحلة «الانفجار العظيم» الذي ادى الى تشتت هذه الامواج في الفضاء.
ولكن الغريب ان جورج كاماو رائد نظرية «الانفجار العظيم» لم يسبق له أن استخدم هذا المصطلح ابدا، وإنما كان اول من أطلقه هو العالم الفضائي والفيزيائي «فريد هولي» (1915 ــ 2001) اثناء مقابلة اذاعية اجرتها معه الـ BBC عام 1949.

«كامو» النظرية
• وجود بقايا الإشعاعات التي تدعى بـ «الموجات الاشعاعية الدقيقة»، والتي اكتشفت من قبل العالمين آن ييبنز لانز وروبرت ويلسون عام 1965، حيث تؤكد على أن الكون «قبل الانفجار العظيم، كان على درجة حرارة واحدة في كل أرجائه.
• اختلاف حجم العناصر الكيمياوية الخفيفة والمتبادلة، مثل الهيدروجين والهيليوم والليثيوم قبل وبعد «الانفجار».
• نظرية النسبية لـ «آينشتاين»، والتي تشير إلى أن الكون قد تقلص وتمدد بصورة دائمة، وان حجمه يتغير مع تغير العصور.
يقدر عمر الكون بـ 13.7 مليار سنة، وفي هذا الوقت بدأ يهدأ بعد المرحلة التي تم فيها انفجار «النقطة»، التي هي الكوين، بفعل حالة أطلق عليها العلماء الفيزيائيون اسم «الشهقة»، أي اللحظة التي شهدت حالة الانفجار ونجمت عنها المادة والوقت والمكان.
وكان «الكون» حسب نظرية «الانفجار العظيم»، عبارة عن كتلة واحدة متماسكة وكانت تسبح في الفضاء وحدها، لذلك لا يمكن حساب عنصر الوقت أو الزمن، لعدم وجود التضادات الكونية الأخرى، كما ولا يمكن تحديد عنصر المكان، لان الفضاء كله كان مفتوحا امام حركة هذه الكتلة.
ولعل أحدث النظريات التي تتناول حالة الكون قبل «الانفجار العظيم»، هي نظرية الفيزيائي «مارتين بويوفالد» من جامعة «بنسلفانيا»، التي يؤكد فيها أن الكون قد مر بجملة من المتغيرات العميقة التي أبعدته عن خصائصه السابقة، وأنتجت خصائص جديدة.
ويشير العلماء إلى ظاهرة جديدة، عرفت بـ «الفجوة الفيزيائية»، والتي يمكن أن تظهر في أي وقت في المستقبل.

مرحلة انتقالية
يقول العلماء «إن الكون يمر الآن بمرحلة انتقالية، وهي المرحلة التي تم فيها انبثاق الإجرام والكواكب والأجسام الفضائية الكبيرة، التي تسبح في الفضاء حالياً». وأطلق الكون في هذه المرحلة، طاقة عملاقة، أدت إلى انبثاق الجزئيات أو الحقول الكونية الحالية.
ولأن الوقت أو التاريخ لم يكن لهما وجود آنذاك، فقد وضع العلماء افتراضات بديلة «وهمية» لحساب الوقت.
ويشير العلماء إلى أن لحظة الانفجار شهدت تضخماً كبيراً للكون، حيث تمددت أجزاؤه المتناثرة، فحجم «البروتون» في الذرة الواحدة على سبيل المثال قد تضخم، وبلغ بحجم ملعب كرة القدم تقريباً.
بعد ذلك، جرت تغييرات جوهرية في تركيبة المواد الكيماوية، وظهر عصر «الفجوات الفيزيائية»، ثم خذ الكون يبرد تدريجياً، فأخذت الجزئيات تتجاذب فيما بينها تجاذباً ثنائياً وثلاثياً، وتحولت إلى جزئيات ثقيلة، لتشكل الكثافة الجديدة للكتلة الواحدة وشكلت كتلاً صلبة، وهي ما تعرف بـ «المذنبات» أو «الكواكب» أو «النجوم».
بعد نحو 100 ثانية من نقطة «الصفر»، أي لحظة الانفجار، انتشرت «البرتونات» و«النيوترونات» في ذرات الهيليوم والعناصر الكيمياوية الخفيفة الأخرى.
لقد استغرق تحول الجزئيات الذرية الحرة إلى كيان يدعى «الذرة»، نحو 300 ألف سنة، حتى ظهرت أول ذرة كونية، بمواصفات الذرة الحالية.
ويتحدث العلماء أيضاً عن «المادة» الكونية آنذاك، أي حدود ظهور الكون، الذي بدأ يتشكل في تلك المرحلة تحت حرارة تبلغ 2700 درجة مئوية، وأن «البروتونات» و«النيوترونات» بدأت بعد ذلك تستقبل «الإلكترونات» الحرة، وتحتجزها في التركيبة الجديدة، التي ندعوها «الذرة».
وبعد هذه المرحلة، استغرقت الفترة، التي سبقت ظهور أول نجم في الكون نحو 400 مليون سنة.
أما بالنسبة لإضاءة النجوم، كما يشير العلماء، فقد بدأ تظهر بعد 200 مليون سنة من حدوث «الانفجار العظيم»، وخلال تلك الفترة لم يكن ضوؤها يصل إلى الأرض، لذلك أسدل على الكون ظلام دامس، أطلق عليه العلماء «عصر الظلام».

التمدد والانكماش
لقد تكونت هذه التركيبة من الهيدروجين والهيليوم، لأن العناصر الثقيلة لم تكن قد تكونت بعد في تلك الفترة، فقد غاب الكربون والنيتروجين والأوكسجين أيضاً، وهي العناصر الضرورية للغاية في عمليات التفاعل، لأنها تعمل كمفاعلات مغذية للنشاط النووي. إن الأجسام الكونية، ومنها النجوم، التي تشكلت بعيد «الانفجار العظيم»، قد عاشت ملايين السنين، فعمر «الشمس» على أقرب تقدير، يبلغ 416 مليار سنة. لكن، بعد مرور عصور كونية أخرى، تحللت النجوم الصغيرة، أو اندمج الحطام الكوني لتظهر أجيالاً جديدة من النجوم العملاقة، وبقي جزء مهم من المواد المكونة للنجوم منتشراً في الفضاء.
يقدر بعض العلماء عمر الكون بـ 14 مليار سنة، ويتحدث بعضهم عن نظرية «التمدد والانكماش»، كونها النموذج الذي صاغ شكل الكون الحالي، حيث سبق أن خضع إلى سلسلة متكررة من الانفجارات الكبرى والانكماشات الكبرى أيضاً.
وقد ظهرت هذه النظرية في ثلاثينات القرن الماضي، وكان رائدها هو العالم الفيزيائي الأميركي «ريشارد تولمان»، الذي يعتقد أن الكون انبثق في فترة التمدد الأولى إلى أجزاء صغيرة للغاية، ثم تبعها فترة التمدد الثانية.

نظرية M
لكن علماء آخرين مثل «باول ستينهارت» و«جوستين كوري» و«نيل توروك» و«بورت افرون» قد أطلقوا نظرية جديدة عام 2001، مفادها أن الكون لم ينشأ بفضل «الانفجار العظيم»، وإنما بفعل تطاير الأجزاء أو الألواح أو الصفائح المكونة لكتلة الكون الأولى.
وقد عُرفت هذه بنظرية «M»، التي تذهب إلى أن الكون قد انبثق بفعل العديد من العوامل، وليس بفعل عوامل «المكان» و«الوقت» و«المحيط» فقط.
وحسب نظرية M، فان الصفائح هذه تضم الضوء ايضا، وان عمر كل صفيحة يبلغ مليار سنة تقريبا.
كما وتفترض هذه النظرية عدم حدوث «الانفجار العظيم» بواسطة «الشهقة» الكونية، وانما بفعل تضخم كتلة الكون الوحيدة وارتفاع درجة الحرارة، التي اخذت تتصاعد تباعا بعد سلسلة من تصادم صفائح الكتلة الكونية في ما بينها.

فرضيات
وحسب احدث النظريات الكونية، فان الكون الذي ولد بفعل «الانفجار العظيم» قد تناثر في الفضاء على شكل مادة «عصيدية» ذائبة، جراء الحرارة بالغة الارتفاع، وان هذه «العصيدة» هي عبارة عن «بلازما كفاكلون» التي تعتبر اساس تكوين الجزئيات الصلبة للمادة.
وبعد ذلك تعرض الكون الى برودة، فاخذت جزئيات المواد تتفاعل في ما بينها، وتشكلت الذرات بصيغتها المعروفة علميا.
وفي عام 1964 طرح العالمان الاميركيان موراي كيلمان وجورج زويلك فكرة جديدة مفادها ان جزئيات الكرة الارضية الاولية، قد تكونت اساسا من جزئيات اصغر وبقيت عائمة في الكون لفترة قصيرة قبل اندماجها.
وهكذا، فان نظرية «الانفجار العظيم» وكذلك النظريات المساندة او المعارضة لها، كلها تدور في اطار الكشف عن الحقائق العلمية التي قد تبدو للبعض حقيقة ولا تقبل الشك، في حين تبدو للبعض الآخر مجرد فرضيات ينقصها اليقين.
غير ان الظواهر الطبيعية عموما يجب ان تخضع للتجارب العلمية الدقيقة، فلا تزال معظم نظريات الكون في مراحلها الاولى، حيث بدأت بصورة فعلية في منتصف القرن الماضي، وعليه فان الجهد العلمي المبذول للوصول الى نتائج حاسمة قد يحتاج الى المزيد من الوقت.

» الانفجار الأعظم
» الحقيقة المرة___
» الحقيقة .................. سبحان الله