في يوم كنت أظنه كباقي أيام حياتي ولكن احداثه غيرتني إلى الأبد , فذكراه ستبقى محفورة في خيالي لأنها كانت أكبر من تصوراتي .
بدموعي أخط كلماتي وبصعوبة أدون ذكرياتي , وبأ لم أكتب عن أهم موقف في حياتي.
أن يخبرني أحدهم انني قد نجحت فأبكي من شدة الفرح ثم وبذات الوقت يهزني آخر بخبر وفاة أمي فتختلط دموع فرحي بنيران حزني وفاجعتي فهاذا أصعب الامر لأني بوفاتها أكون قد إستسلمت لأحد مباديء الفراق , وكيف لي أن أصدق رحيلها وقد كانت أما بأكثر مما تحمله كلمة أم من معاني وأخلاق, فهي القلب الذي لا أعرف للنوم طعما إلا وأنا في أحضانه وهي أملا في حياتي لا ينقطع.
لم تغب أبدا . فما زلت أذكر كلماتها ومازالت ابتساماتها في فكري ولن انسى ذالك اليوم الذي مرضت فيه أمي فجأة وبدون سابق إنذار سقطت على الأرض مغشيا عليها ونقلت إلى المشفى القريب ليجرى لها العلاج ولم أكن متواجدة هناك وفي اليوم التالي عند عودتي من مدرستي ذهبت إلى المشفى لأرى أمي وهناك ,كدت أنهار حين قرأت على باب غرفتها (العناية المركزة) فهل حالة أمي بهذه الخطورة؟؟
نعم . ولكني واجهت الموقف بشجاعة وكانت النتيجة أن إنهارت أعصابي وخابت آمالي لكنه قضاء لزم علي الإيمان به كما علمتني أمي.
فالطريق الذي نسيره كل يوم إلى المشفى مللناه واستقرار فقدان امي وعيها سئمناه, فما أقسى من منظر عيناك الحزينتان يا أمي وما أقسى من غرقهما الدموع.أمي الحبيبة اعرف حالة الحزن واللإنكسار التي تمرين بها وأعرف أنها أقسى وأقوى حالات الحزن .
ليتني أستطيع التحدث معك ولكن عيناك لاتوحيان لي بالتحدث لكثرة ما بهما من حزن وعذاب.
ومرت اكثر من 7 أشهر على هذه الحالة وأنا لا أحتمل رؤيتك لا تقوين على الحراك ولا أحتمل أن أكون أنا بحالة صحية جيدة وأنت عكس ذالك وانا تمنيت انا اكون بهذا الحالة وانتي تكوني احسن بل أود فداك بروحي وكل ما أملك وما لا أملك فأنت من يستحق الفداء.
اشتقت إليك كثيرا يا أمي وليتني أستطيع التحدث معك ولكن صمتي يمنعني لأنه يعرف أن دموعي ستسبق أحرفي وأن عذابك سيكون أكبر إن رأيت دموع ابنتك المدللة التي ماكا نت تعرف الخوف والضعف بوجودك
آه كم أنا محتاجة إلى حنانك وان تضميني إلى صدرك وأنا أعرف تماما أنني لن اجد صدر يحنو علي كصدرك الطاهر.
فخيالي مرتبط بصورتك وصوتك , وجاء موعد الإختبارات بكل مافيها من صعوبة , حاولت أن أتماسك وأبعد عني الأفكار وجاهدت وثابرت ولكن وللأسف ولأول مرة أخفقت في إحدى موادي الدراسية وبعد طول عناء نجحت بها وكان نجاحي فرحة كبيرة وامل كدت أفقده وحلما تحقق بصعوبة فما ألذ طعم النجاح الذي يأتي بعد طول غياب . لكن للأسف عندما وصلني خبر نجاحي أسرعت نحو المنزل وصوب غرفة أمي ركضت لأعلن لها خبر نجاحي ولأول مرة منذ بداية مرضها نرى الدمع بعينيها ونشعر أن وعيها قد عاد إليها وأنها أفاقت من غيبوبتها وعادت إلى عالمنا الذي تنتمي إليه لأنها تبكي وبصوت مسموع , كان بكاءها وداعا ولكننا لم نفرض هذا الإحتمال فقد ظننا أنها تهنئني بنجاحي من خلال دموعها.
وفي رمضان اليوم الخميس في مساء قالت ليا أمي يا يابنيتي انا فرحان كثيير ولم يمض وقتا طويلا حتى رأيت أخي يخرج من غرفة أمي باكيا وبصعوبة يرفع سماعة الهاتف ليستدعي الطبيب فركضت نحو غرفة أمي لأفهم مالذي حدث فاعترضني جميع إخوتي ومنعوني من الدخول وطلبوا مني الإنتظار ريثما يأتي الطبيب فاتظرت وما لبث أن حضر الطبيب حتى خرجت أختي الكبيرة من الغرفة وهي منهارة غارقة بدموعها يسندها اخي وهو بالكاد يسند جسده وأسرعت أسأله عن أمي فأطلق سهمه بصدري حين سألني وأختي ان ندعو لها بالرحمة والثبات فانهرت على الارض ولا اذكر من تلك اللحظة شعورا استطيع وصفه إلا انني كنت أرفض التصديق وكنت اردد بنبرة مخنوقة باكية (لا تموتي لا تموتي أمي لا تموتي امي انا محتاج ليك).
واحتضنوني إخوتي جميعا محاولة عقيم لتهدئتي ودخلت أودعها لارى منظرا رائع بل أكثر من رائع فقد كانت امي مستسلمة للموت بكل هدوء ووجهها عاد كما لو كانت في العشرين من عمرها , سبحان الله العظيم كان وداعها لنا دموعا وما اصدقها من دموع.
بقيت صورة أمي في بالي وفي الصباح وحملوها إلى قبرها (الذي أسأل الله ان يجعله روضة من رياض الجنة)وانا كانت وانا كانت لآ اتكلم
فبكينا انا واختي بألم فوق سريرها الأبيض وتذكرنا كيف كانت تملؤه منذ سويعات وكيف أصبح فارغا وفي هذه الأثناء كان البيت قد امتلأ بالمعزيين واقترب الجميع لتهدئتنا ومرت الثلاث أيام الأولى ولم أذ ق للنوم طعما وصوت امي لا يفارقني و كنت أسمعه يناديني من نافذة غرفتها وكلما اقتربت منه اختفى , ظن الجميع أني أهذي ولكني شعرت بالراحة وزال هاجسي وقلقي عندما رأيت صورة امي في منامي مطمئنة وهي تنطق الشهادتين , وحتى لا يأسرنا الحزن احتمينا بيت الله سبحانه وتعالى نرجو رحمته وكرمه فاطمئنت نفوسنا وكأنها لم تتعب يوما .
وعدت إلى المنزل لأمسك بالورقة والقلم ولكني لا أعرف ماذا أكتب ولا أعرف بماذا أشعر فكأن الإحساس بداخلي تحجر, فراقك أمي أمر صعب والأصعب اني مازلت لا أعي مايحدث فقد كنت مرحة ولم تكن البسمة تفارق شفتاي, كنت لا أكترث بما في هذا العالم من أحزان . كنت لا أعرف معنا للآلام , والآن بعد رحيلك يا أمي تعلمت أن الدنيا لا تثيت على حال, عرفت كيف يكون للدموع لونا , كيف يكون للعذاب سببا .
لم أعد أكترث بلون السماء , لم أعد أستسيغ حتى طعم الماء, فأغرقتني الأحزان ولا اعرف إن كان سيشرق صباحي بعد أن غاب.
موتك ياأمي جعل كل أحلامي وآمالي تتحطم , جعل دموعي تتلعثم , جعل عيوني تتألم فأنت من علمنا الحياة كيف نعيشها رغم المتاعب رغم الآلام , أنت من علمنا كيف نصادق الابتسامة وان قلوب البشر طيبة لمن يستحق طيبتها . فراقك يا أمي أقسى من الموت وأصعب من الدموع فقد كنت أما وإنسانة , لم تفكري يوما بالحقد ولم تعرفي للكره طريق.
عزائي هو إيماني بأن الله هو أرحم بعباده من رحمة الأم على وليدها والله سبحانه وتعالى قدر لك الخير يا أمي ولنا جميعا لحكمة ربما جهلناها (إنا لله و إنا إليه راجعون).
ستبقي يا أمي بقلوبنا بكل ماغرسته بداخلنا من حب وأخلاق وسنبقى نذكرك بكل أفعالنا ولفتاتنا ونحن على ماعهدته علينا من قيم زرعتها بيديك وسيجني ثمارها كل من يعاشرنا فاطمئني حيث أنت ولا تخافي علينا لأن لقاءنا قريب بإذن خالقنا