ماتت و هي تبكي
زوجة مثالية أنا, أم حنون أنا, امرأة جميلة أنا, مواطنة صالحة أنا, هذه كانت العبارات التي لطالما رددتها لتبرمج عقلها بأفكار ايجابية, خططت لحياتها ظنا أنها ستسير مثالية من المهد إلى اللحد
كان مخططا ناجحا بالنسبة لها 100% , لكن وقع ما لم يكن في الحسبان, كل شيء كان متوفرا
لتعيش عيشة الملوك, المال موجود, الأطفال موجودون, العلم موجود, مع أنها نسيت أهم أسرار الحياة الزوجية, نست أن الزواج الإجباري دائما ما يؤدي إلى غرفة لا نوافذ فيها , تجعلك تختنق حتى الموت,
جعلها ذلك تحس أن كل ما بنته بدأ يتلاشى و كل ما كتبته من سطور بدأت تمحى, أحست بتلك الطعنة المؤلمة خلف ظهرها, إنها طعنة الخيانة, لم يسبق أن تخيلت المسكينة أن أكثر من يعرفها خانها و الأقرب إليها غدر بها , جعلها ذلك تحس بالغيظ و العطش بالانتقام, لكن مبادئها لن تسمح لها بذلك
بدأت تنظر إلى تلك الأيدي الصغيرة النحيفة, و إلى تلك الأعين الجميلة و الابتسامات الرقيقة, نعم إنها تنظر إلى ثمرة زواجها إلى أهم ما يسعدها في هذه الحياة, هدى و ندى طفلتان توأمان تعطران البيت بضحكاتهن العذبة, كانت الأم تغطي دموعها لكي لا تجرح مشاعرهما , كانت تسرع المتألمة خارج البيت لتملأ سكون الليل بكاء , كانت تشعر بالقشعريرة عندما ترى ذلك الخائن مستلقيا أمامها أو عندما تستيقظ لترى ذلك الشخص الوسخ نائما أمامها, تصبر و تصبر منتظرة يوم الحساب, و طفلتاها تسمعان صراخ الوالدين يحرق المنزل , الدموع تتناثر و الأخبار بدأت تنتشر من جار إلى جار " إن فلان يضرب المسكينة, نسمع صياحهم كل يوم" , يخونها ثم يخونها, لم تنجو منه حتى الخادمة المسكينة التي لطالما ساندت الزوجة و أخبرتها من يدخل في غيابها و من يخرج , هل تطلب الطلاق و هي لا تعرف مصير الابنتين أو تنتظر بدون فائدة و هي ترى بأم عينيها أن منزلها أصبح فندقا يخرجن و يدخلن منه الغريبات و المقززات, ضاق الصبر و تشدد الحصار , ها هي الأم تطلق كلمات طالما انتظرتهم "الطلاااااااااااق , أريد الطلاق" و إذا بدمية تتدحرج على السلم كأنها تجري مسرعة لتطلب الصلاح, بكاء يشبه صيحات العصافير عند فقدان بيضها, أقدام خفيفة تجري نحو الأعلى, نعم إنها صدمة الفتاتان التي طالما خشيتها الأم لكن ليس بهذه الطريقة المباشرة, أسرعت لتخفف عنهما بينما ذلك القلب المتحجر خرج من البيت بلا مبالاة , يفكر من أين سيقترض مال القمار, أصبحت تلك المرأة الضحية الجديدة لناشري الإشاعات,
بعدما انشقت الأرض و امتصت كل الأحاسيس الرقيقة التي كان البيت مزدحما بها, شرود الطفلتان و اختفاء الابتسامة من وجهيهما, جعل الأم بدورها تغوص في صدمة أدتها إلى غيبوبة طويلة بعيدة فيها عن الواقع, دمرت حياة الطفلتان, اختفى الوالد عن الوجود بينما الزوجة اختفت أنفاسها في ليلة عاصفة ماتت وهي تبكي, و الطفلتان يملأن البيت بالصياح .